ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين، ولكنه على قولك:
براءةً منكم/ وتسلما.
في كتاب «أبي بكر بن السراج»«١» : هذا غلط، وإيضاح هذا ووجهه أنه لم يؤمر المسلمون يومئذ بقتال المشركين إنما كان شأنهم المتاركة، ولكنه على قوله «براءة» .
ومن ذلك قوله تعالى، على قراءة من قرأ:(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ)«٢» ، بإضافة «ثلاثمائة» إلى «سنين» . وقد قال سيبويه: إن هذا العدد- أعنى مائة إلى الألف- يضاف إلى المفرد دون الجمع. وإنما جاء هذا هكذا تنبيها على أن الأصل أن يضاف إلى الجمع، وإن جاء الاستعمال بخلافه.
وكقوله:(اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ)«٣» ، والقياس: استحاذ، وكقولهم:«عسى الغوير أبؤسا»«٤» ، والقياس أن يكون خبر «عسى» أن مع الفعل «٥» .
ومن ذلك قراءة من قرأ:(إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ)«٦» ، إلى قوله:(وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)«٧» بكسر التاء من «آيات» بالعطف على قوله: (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ)«٨» ، وقال سيبويه:
العطف على عاملين لا يجوز. يعني «إن» و، «في» ، ألا ترى أنه جر قوله «واختلاف» بالعطف على «آيات» المنصوبة ب «أن» ، وجاز هذا لأنه ذكرت «آيات» ثانية، على سبيل التكرير والتوكيد، ألا تراه لو قال:
«واختلاف الليل والنهار» ، إلى قوله:«وتصريف الرياح» ، ولو لم يقل
(١) للسراج أبي بكر محمد بن السري المتوفي سنة ٣١٦ هـ، من الكتب المتصلة بهذا الموضوع: شرح سيبويه أو لعله هو الذي يعنيه المؤلف. (٢) الكهف: ٢٥. [.....] (٣) المجادلة: ١٩. (٤) هذا مثل جرى على لسان الزباء قالته لقصير لما عاد إليها بالجمال محملة بالرجال، وكان قد مر في طريقه بالغوير، وهو ماء لبني كلب. تعني: لعل الشر يأتي من جهته. (٥) المغني (١: ١٣٠) . (٨- ٦) الجاثية: ٣. (٧) الجاثية: ٥.