قُلتَ: نفسًا (١) مَيَّزتَ وكذلكَ لو قُلتَ: قَلبًا، وكذا إذا قُلتَ: تَفَقَّأ لم يُعلم أنَّ هذا التَّفَقُّؤَ فيه من أيِّ وجْهٍ؟ فإذا قُلتَ: يُبسًا أَو شَحمًا فقد مَيَّزتَ.
فإن سألتَ: مَا ذَكرتَه في حدِّ التَّمييزِ ينتقضُ بالحالِ، ألا تَرى أَنَّكَ إذا قُلتَ: جاءَ زيدٌ فقد بَقِيَ فيه إبهامٌ من حَيْثُ لم تَعرف أنَّ مجيئَه في أيِّ حالةٍ (٢) هو،؟ فإذا قُلتَ: راكِبًا فقد مَيَّزتَ، وكذلك المفعولُ، لأنَّك إذا قلتَ ضربتُ: لم يُعلم من المَضروبُ؟ فإذا نَصَصتَ عليه فقد مَيَّزتَ؟ أجبتُ: التَّمييزُ: رفعُ الإِبهامِ في مُفردٍ أو جُملَةٍ بالنَّصِّ، على أَحَدِ مُحْتَمَلَاتِهِ، على وجهٍ يكونُ المنصوصُ عليه صالِحًا لِوقُوعِهِ في جَوابِ أَحَدِ الطَّلَبَيْنِ، وهو من أيِّ شيءٍ أو من أيِّ جِهَةٍ، ألا تَرى أنَّك إذا قُلتَ: عِندي راقودٌ، فقيلَ لك: من أيِّ شيءٍ؟ فقلتَ: عَسَلًا صَحَّ، وإن كان قولك عَسَلًا جوابًا لقولك من أيِّ شي، وكذلك إذا قيلَ: طابَ زيدٌ فقيلَ: من أيِّ جهةٍ؟ فقلتَ: قَلبًا صَحَّ بخلافِ ما لو قلتَ: جاءَ زيدٌ فقيلَ: من أيِّ شيءٍ؟ فقلتَ: راكبًا لم يَصِحّ، ولم يكن راكبًا جوابًا لقولهِ: من أيِّ شيءٍ، وكذلك: لو قيلَ من أيِّ جِهَةٍ فقلتَ: راكبًا لم يَقَع جوابًا وهكذا لو قلتَ: ضَرَبتُ فقيلَ: من أيِّ شيءٍ؟ فقلتَ: زيدًا، لم يَقع جوابًا، وهكذا لو قِيل ها هُنا من أيِّ جهةٍ؟ فقلتَ: زيدًا، لم يكن جوابًا. التمييزُ كما يكونُ مفردًا في نحو قولِهِ تَعالى:{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} فكذلك يكون جَمعًا في نَحو قوله: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا}.