من حديث أبى هريرة، وفيه دلالة على اختصاصه- صلى الله عليه وسلم- بمعارف بصرية وقلبية. وقد يطلع الله تعالى عليها غيره من المخلصين من أمته لكن بطريق الإجمال، وأما تفصيلها فاختص بها- صلى الله عليه وسلم-.
وفى صحيح مسلم من حديث أنس أنه- صلى الله عليه وسلم- قال:«والذى نفس محمد بيده، لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» قالوا: وما رأيت يا رسول الله قال: «رأيت الجنة والنار»«١» .
فقد جمع الله له بين علم اليقين وعين اليقين مع الخشية القلبية، واستحضار العظمة الإلهية على وجه لم يجتمع لغيره، ولذا قال:«إن أتقاك وأعلمكم بالله أنا»«٢» وهو فى الصحيح من حديث عائشة: وكان- صلى الله عليه وسلم- يصلى ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء «٣» رواه النسائى وابن خزيمة وابن حبان فى صحيحه بلفظ: كأزيز الرحا، أى خنين من الخوف- بالخاء المعجمة- وهو صوت البكاء. وقيل: وهو أن يجيش جوفه ويغلى بالبكاء.
وأما ما روى من شجاعته- صلى الله عليه وسلم- ونجدته وقوته فى الله وشدته، فعن أنس:(كان النبى- صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس) ، لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- راجعا قد سبقهم إلى الصوت واستبرأ الخبر على فرس لأبى طلحة عرى والسيف فى عنقه وهو يقول:«لن تراعوا» .
وفى رواية: كان فزع بالمدينة فاستعار النبى- صلى الله عليه وسلم- فرسا من أبى طلحة يقال له المندوب، فركب فلما رجع قال: «ما رأينا من شىء، وإن وجدناه
(١) صحيح: أخرجه مسلم (٤٢٦) فى الصلاة، باب: تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود. (٢) صحيح: وقد تقدم قريبا. (٣) صحيح: أخرجه أبو داود (٩٠٤) فى الصلاة، باب: البكاء فى الصلاة، والنسائى (٣/ ١٣) فى السهو، باب: البكاء فى الصلاة، وأحمد فى «المسند» (٤/ ٢٥) ، وابن حبان فى «صحيحه» (٦٦٥ و ٧٥٣) ، وابن خزيمة فى «صحيحه» (٩٠٠) من حديث عبد الله بن الشخير- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .