قال الله تعالى مخاطبا له- صلى الله عليه وسلم-: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ «١» . فأمره تعالى بعبادته حتى يأتيه الموت، وهو المراد ب «اليقين» ، وإنما سمى الموت باليقين لأنه أمر متيقن. فإن قلت: ما الفائدة فى قوله: حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ»
وكان قوله: وَاعْبُدْ رَبَّكَ «٣» كافيا فى الأمر بالعبادة؟
أجاب القرطبى تبعا لغيره: بأنه لو قال: وَاعْبُدْ رَبَّكَ «٤» مطلقا ثم عبده مرة واحدة كان مطيعا، ولما قال: حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ «٥» أى اعبد ربك فى جميع زمان حياتك ولا تمل ولا تخل لحظة من لحظات الحياة من هذه العبادة.
كما قال العبد الصالح: وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا «٦» .
وهذا مصير منه إلى أن الأمر المطلق لا يفيد التكرار، وهى مسألة معروفة فى الأصول اختلف فيها. وهى: هل الأمر المطلق يفيد التكرار، أو المرة الواحدة، أو لا يفيد شيئا منها؟ على مذاهب:
الأول: أنه لا يفيد التكرار ولا ينافيه، بل إنما يفيد طلب فعل المأمور به من غير إشعار بالمرة أو المرات، لكن المرة ضرورية لأجل تحقيق الامتثال، إذ
(١) سورة الحجر: ٩٧- ٩٩. (٢) سورة الحجر: ٩٩. (٣) سورة الحجر: ٩٩. (٤) سورة الحجر: ٩٩. (٥) سورة الحجر: ٩٩. (٦) سورة مريم: ٣١.