أولهما: الإباحة المذكورة بمعنى رفع الإثم والحرج، لا بمعنى التخيير بين الفعل والترك.
ثانيهما: الضرورات لا تبيح جميع المحظورات، بل هناك محظورات لا تبيحها الضرورات البتة.
ويمكننا بعد مراعاة هذين القيدين صياغة معنى هذه القاعدة على هذا النحو:
"الضرورات ترفع الإثم والحرج عند ارتكاب المحظورات التي دونها في المفسدة"(١).
ومما يؤكد هذا التقييد من القواعد الفقهية:
"الضرر لا يزال بمثله"(٢).
"يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام"(٣).
"يُرتكب أخف الضرر لن لدفع أعظمهما"(٤).
ومن القواعد الفقهية المتعلقة بالتدافع بين المصالح والمفاسد وغيرها مما يتصل بهذا الضابط: أن يحفظ المضطر أصول الشريعة وثوابتها، فلا تلجئه ضرورة مهما بلغت لأن يكفر بالله -مثلًا- ولا تحمله نازلة لأن يطمئن قلبه بالكفر -عياذًا بالله-؛ وذلك لقوله تعالى:{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النحل: ١٠٦].
فلا يتصور الإكراه على شيء من أعمال القلوب (٥).
قال العز ابن عبد السلام -رحمه الله-: "ولا يتصور الإكراه بالجنان، ولا على جحد ما يجب