ولهذا لم يحثَّ النبي صلى الله عليه وسلم الأمة على إهداء ثواب القراءة للأموات، ولم يرشدهم إلى ذلك، ولم يُنقل هذا عن أحد الصحابة -فيما نعلم- وإنما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم للاستغفار للميت فقال:«استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يُسأل»(١).
فعُلم أن القراءة لا يستفيد بها الميت، وهذا مذهب الشافعي خلافً للجمهور.
[زيارة القبور وما يتعلق بها]
تشرع زيارة القبور للاتِّعاظ بها وتَذَكُّر الآخرة، لقوله صلى الله عليه وسلم:«كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها [تذكركم الآخرة]»(٢).
[هل تشرع زيارة النساء للقبور؟]
للعلماء في هذا ثلاثة أقوال: أحدها: التحريم، والثاني: يكره، والثالث: مباح من غير كراهة وهو رواية عن أحمد وبه قال مالك وبعض الأحناف (٣)، وهو الراجح بشرط أن تكون الزيارة لأجل تذكر الموت والآخرة مع تجنب المحرمات، وذلك لأمور:
١ - لحديث أنس -الذي تقدم- «مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال لها: «اتقي الله واصبري ...»(٤) فلم ينهها عن الزيارة.
٢ - ولزيارة عائشة قبر أخيها، فعن ابن أبي مليكة «أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين، من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم، كان نهى ثم أمر بزيارتها» (٥).
٣ - لقول عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم:«كيف أقول يا رسول الله؟ [تعني إذا أتت المقابر] قال: «قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون»(٦).
(١) صحيح: أخرجه أبو داود (٣٢٢١)، وغيره. (٢) صحيح: يأتي تخريجه. (٣) «تهذيب السنن» لابن القيم (٩/ ٥٨ - عون المعبود) بتصرف. (٤) صحيح: البخاري (١٢٨٣)، ومسلم (٩٢٦). (٥) صحيح: الحاكم (١/ ٣٧٦)، والبيهقي (٤/ ٧٨)، وأصله عند ابن ماجه (١٥٦٩) مختصرًا وهو صحيح. (٦) صحيح: مسلم (٩٧٤)، وأحمد (٦/ ٢٢١)، وعبد الرازق (٦٧١٢)، والبيهقي (٤/ ٧٩).