شارب الخمر - يأتي بعضها - وأجمع الصحابة ومن بعدهم على جلد شارب الخمر، ثم اختلفوا في مقداره على قولين (١):
الأول: مقداره أربعون جلدة: وهو مذهب الشافعي - ورواية عن أحمد - وداود وابن حزم وبه قال جمع من الصحابة - رضي الله عنهم -، وحجة هذا المذهب:
١ - حديث أنس قال:«كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين»(٢).
٢ - أن عثمان - رضي الله عنه - أمر عليًّا بجلد الوليد بن عقبة في الخمر، فقال لعبد الله بن جعفر:«اجلده، فجلده، فما بلغ الأربعين قال: أمسك، جَلَدَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكُلٌّ سُنَّة، وهذا أحب إليَّ»(٣).
٣ - وعن السائب بن يزيد قال:«كنا نُؤتي بالشارب في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإمرة أبي بكر، فصدرًا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر، فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا
جلد ثمانين» (٤).
قالوا: ففيهما الجزم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلد أربعين، واعتمده أبو بكر في خلافته، وعمر - رضي الله عنه - صدرًا من خلافته حتى تتابع الناس فيها فزادها أربعين «تعزيرًا».
ولذا قال عليٌّ - رضي الله عنه -: «ما كنت لأقيم الحدَّ على أحد فيموت فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر، فإنه لو مات وديته، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يَسُنَّه»(٥).
أي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقدر فيه بقول تقديرًا لا يزاد عليه، ولذا زاد عمر أربعين أخرى بعدما استشار الصحابة تعزيرًا، لكن جلد عليٌّ أربعين فقط في خلافته وقال:«هذا أحب إليَّ».
الثاني: مقدار الحدِّ ثمانون جلدة: وهو مذهب جمهور العلماء منهم الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة ومالك وأحمد، وهو القول الآخر عند الشافعية، واستدلوا بما يلي:
(١) «ابن عابدين» (٥/ ٢٨٩)، و «الفواكه الدواني» (٢/ ٢٩٠)، و «مغني المحتاج» (٤/ ١٨٧)، و «المغني» (٩/ ١٣٧)، و «المحلي» (١١/ ٣٦٥)، و «نيل الأوطار» (٧/ ١٤٦). (٢) صحيح: أخرجه مسلم (١٧٠٦). (٣) صحيح: أخرجه مسلم (١٧٠٧)، وأبو داود (٤٤٨٠)، وابن ماجة (٢٥٧١). (٤) صحيح: أخرجه البخاري (٦٧٧٩)، وأحمد (١٥٢٩٢). (٥) صحيح: أخرجه البخاري (٦٧٧٨)، ومسلم (١٧٠٧).