قال الشوكاني -رحمه الله-: (وفي هذه الآية دليل على أن الاستغفار من أعظم أسباب المطر وحصول أنواع الأرزاق؛ ولهذا قال:{وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ} يعني: بساتين {وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (١٢)} جارية) (٢).
[الدراسة]
استنبط الشوكاني-رحمه الله- أن الاستغفار من أعظم أسباب المطر وحصول أنواع الأرزاق.
ووجه الاستنباط: أن نوحا -عليه السلام- وعد قومه على الاستغفار إمدادا بالأموال والبنين؛ فدل بدلالة الاعتبار بقصص الأنبياء -عليه السلام- على أن الاستغفار من أعظم أسباب المطر وحصول أنواع الأرزاق.
قال القصاب:({وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} دليل على استنزال الرزق، وتكثير الأولاد بالعمل الصالح؛ لأن نوحا -عليه السلام- وعد قومه على الاستغفار إمدادا بالأموال والبنين)(٣).
وممن قال بهذا الاستنباط: القصاب-كما تقدم-، وابن عطية، والقرطبي، والسيوطي، والقنوجي. (٤).
وهذا المعنى يستنبط أيضا من قوله تعالى: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢)} [هود: ٥٢]. قال ابن جزي:(وفي الآية دليل على أن الاستغفار والتوبة سبب لنزول الأمطار)(٥).
وقد اقترن في القرآن الكريم ذكر الرزق بكثير من العبادات، قال الشنقيطي: وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢)} [النور: من الآية ٣٢](٦) فيه وعد من الله للمتزوج الفقير من الأحرار والعبيد بأن الله يغنيه والله لا يخلف الميعاد … وهذا الوعد منه جل وعلا وعد به من اتقاه في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: من الآيات ٢ - ٣](٧)، ووعد بالرزق أيضا من يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها وذلك في قوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (١٣٢)} [طه: ١٣٢]، وقد وعد المستغفرين بالرزق الكثير على لسان نبيه نوح -عليه السلام- في قوله تعالى عنه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (١٢)}، وعلى لسان نبيه هود -عليه السلام- في قوله تعالى عنه: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢)} [هود: ٥٢] وعلى لسان نبينا -صلى الله عليه وسلم-: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}[هود: من الآية ٣](٨). ومن الآيات الدالة على أن طاعة الله تعالى سبب للرزق قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[الأعراف: من الآية ٩٦](٩) ومن بركات السماء المطر، ومن بركات الأرض النبات مما يأكل الناس والأنعام، وقوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}[المائدة: من الآية ٦٦](١٠)، وقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧)} [النحل: ٩٧] أي: في الدنيا (١١).