قال تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠)} الشعراء: ٨٠.
قال الشوكاني -رحمه الله-: (وأسند المرض إلى نفسه دون غيره من هذه الأفعال المذكورة رعاية للأدب مع الرب، وإلا فالمرض وغيره من الله سبحانه)(٢).
[الدراسة]
استنبط الشوكاني-رحمه الله- رعاية الأدب مع الرب سبحانه.
ووجه الاستنباط: أن إبراهيم -عليه السلام- أسند المرض إلى نفسه دون غيره من الأفعال المذكورة، والمرض وغيره من الله سبحانه؛ فدل بدلالة تغيير النظم، و بالاقتداء بإبراهيم -عليه السلام- على رعاية الأدب مع الرب سبحانه. (٣).
قال أبو السعود:(ونسبة المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله تعالى مع أنهما منه تعالى لمراعاة
حسن الأدب، كما قال الخضر -عليه السلام-: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا}[الكهف: ٧٩] (٤)، وقال:{فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا … أَشُدَّهُمَا}[الكهف: ٨٢](٥) … ) (٦).
وممن قال بهذا الاستنباط: القرطبي، وأبو السعود-كما تقدم-، والآلوسي، والقنوجي، والقاسمي، والهرري. (٧).
والآية دالة بدلالة الاقتداء بأفعال الأنبياء على الأدب في الخطاب عموما.
قال الزركشي:(فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله، وأسند المرض إلى نفسه إذ هو معنى نقص ومعابة وليس من جنس النعم المتقدمة. وهذا النوع مطرد في فصاحة القرآن كثيرا … وهو أصل عظيم في الأدب في الخطاب)(٨).
(١) وهو استنباط تربوي. (٢) فتح القدير ج ٤/ ص ١٠٥. (٣) وذكر السمرقندي، والرازي، والبيضاوي أوجها أخرى لتغيير النظم راجعها في بحر العلوم ج ٢/ ص ٥٥٧، والتفسير الكبير ج ٢٤/ ص ١٢٥، وأنوار التنزيل ج ٤/ ص ٢٤٢. (٤) وتمامها: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ … فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (٧٩)}. (٥) وتمامها: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ … لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا … أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا … رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٨٢)}. (٦) إرشاد العقل السليم ج ٦/ ص ٢٤٩. (٧) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ١٣/ ص ١٠٣، وإرشاد العقل السليم ج ٦/ ص ٢٤٩، وروح المعاني ج ١٩/ ص ٩٦، وفتح البيان ج ٩/ ص ٣٨٩، ومحاسن التأويل ج ٧/ ص ٤٦٠، وحدائق الروح والريحان ج ٢٠/ ص ٢٢٣. (٨) البرهان في علوم القرآن ج ٤/ ص ٥٢، ٥٣. وانظر: منهج الاستنباط من القرآن ص ٣٤٤.