قال الشوكاني -رحمه الله-: (وفي قوله: {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٣٠)} دليل على أن هذا التحذير الشديد مقترن بالرأفة منه سبحانه بعباده؛ لطفا بهم) (٢).
[الدراسة]
استنبط الشوكاني (٣) -رحمه الله- مناسبة ذكر رأفة الله بعباده بعد أن حذرهم -سبحانه-نفسه؛ لبيان أن هذا التحذير الشديد مقترن بالرأفة منه سبحانه بعباده؛ لطفا بهم، فيكون فيه جمع بين الترهيب والترغيب.
ووجه الاستنباط: أن الله تعالى قرن بين التهديد والرأفة، والترهيب والترغيب؛ فقال- مؤكدا ومهددا ومتوعدا-: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} أي: يخوفكم عقابه، وذكر النفس؛ للإيذان بأن له عقابا هائلا (٤) ثم قال جل جلاله مرجيا لعباده؛ لئلا ييأسوا من رحمته، ويقنطوا من لطفه: {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٣٠)} (٥)، والذي دل على هذا المعنى دلالة الربط بين أجزاء الآية.
(١) وهو استنباط في علوم القرآن (لتعلقه بالمناسبة). (٢) فتح القدير ج ١/ ص ٣٣٢. (٣) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها: ١) فائدة تكرار قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} - إذ وردت هنا، وجاءت قبلها في قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨)} [آل عمران: ٢٨]- لاختلاف متعلقهما، فالأول في سياق الوعيد، والثاني في سياق حذر التفويت للخير. انظر: أسرار التكرار في القرآن للكرماني ج ١/ ص ٤٧، وقطف الأزهار ج ١/ ص ٥٨٠، وحدائق الروح والريحان ج ٤/ ص ٢٦٠. ٢) ينبغي استعمال الأسلوب المناسب للحال؛ لأن الله قال هنا: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}، وفي آيات كثيرة يتحبب إلى عباده. تفسير سورة آل عمران لابن عثيمين ج ١/ ص ١٨٧. (٤) انظر: إرشاد العقل السليم ج ٢/ ص ٢٣. (٥) انظر: تفسير القرآن العظيم ج ٢/ ص ٣٣٦، وحدائق الروح والريحان ج ٤/ ص ٢٦٠.