[الشوكاني ليس معارضا للمناسبة، بل هو من المؤيدين لها، ويدل على هذا أمور]
[الأول: أنه اعتنى في تفسيره كثيرا بأنواع المناسبات الداخلية، والخارجية، ومن هذه الأنواع]
[١) مناسبة اختيار لفظة]
استنبط الشوكاني مناسبة اختيار لفظة محددة دون غيرها في بعض المواضع، ومن الأمثلة على ذلك:
أ - استنبط مناسبة اختيار لفظ البارئ في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤)} [البقرة: ٥٤]، فقال:(وفي ذكر البارئ إشارة إلى عظيم جرمهم، أي: فتوبوا إلى الذي خلقكم وقد عبدتم معه غيره)(١).
ب - استنبط مناسبة اختيار لفظ (يرجون) في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨)} [البقرة: ٢١٨]، فقال:(وقوله: {يَرْجُونَ} معناه يطمعون، وإنما قال: يرجون بعد تلك الأوصاف المادحة التي وصفهم بها؛ لأنه لا يعلم أحد في هذه الدنيا أنه صائر إلى الجنة ولو بلغ في طاعة الله كل مبلغ)(٢).
[٢) المناسبة بين المقسم والمقسم به]
نبه الشوكاني على نوع هام من أنواع المناسبات هو التناسب والترابط بين المقسم به والمقسم عليه، إذ اختيار المقسم به تراعى فيه الصفة التي تناسب الموقف (٣).
ومثال ذلك: في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨)} [الذاريات: ٧ - ٨]. حيث قال:({إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨)} هذا جواب القسم بالسماء ذات الحبك، أي أنكم يا أهل مكة لفي قول مختلف متناقض في محمد -صلى الله عليه وسلم- بعضكم يقول: إنه شاعر، وبعضكم يقول: إنه ساحر، وبعضكم يقول: إنه مجنون. ووجه تخصيص القسم بالسماء المتصفة بتلك الصفة؛ تشبيه أقوالهم في اختلافها باختلاف طرائق السماء) (٤).
(١) فتح القدير ج ١/ ص ٨٦. وانظر: الاستنباط رقم: ١٢. (٢) فتح القدير ج ١/ ص ٢١٨. وانظر: الاستنباط رقم: ٢٣. (٣) انظر: التفسير البياني للقرآن الكريم ج ١/ ص ٢٥. (٤) فتح القدير ج ٥/ ص ٨٣. وانظر: الاستنباط رقم: ١٩٦.