وقد ذكر العلماء، أن أبا بكر- رضى الله عنه- أفضل من مؤمن آل فرعون، لأن ذاك اقتصر حيث انتصر على اللسان، وأما أبو بكر فأتبع اللسان يدا، ونصر بالقول والفعل محمدا- صلى الله عليه وسلم-.
وأخرج مسلم من حديث أبى هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر «١» محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، ولأعفرن وجهه بالتراب، فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يصلى ليطأ على رقبته، فما فجأهم منه إلا وهو ينكص»
على عقبيه، ويتقى بيديه، فقيل له: ما لك؟ قال: إن بينى وبينه خندقا من نار، وهولا وأجنحة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لو دنا منى لاختطفته الملائكة عضوا عضوا، وأنزل الله إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى «٣» إلى آخر السورة «٤» .
ولما نزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ «٥» جاءت امرأة أبى لهب، فقال أبو بكر: يا رسول الله، لو تنحيت عنها فإنها امرأة بذية، قال:«سيحال بينى وبينها» فقالت: يا أبا بكر، هجانا صاحبك، قال: والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله، فاندفعت راجعة، فقال أبو بكر: يا رسول الله، ما رأتك، قال:«كان بينى وبينها ملك سترنى بجناحه حتى ذهبت» . رواه ابن أبى شيبة وأبو نعيم.
وفى رواية البيهقى فقال- صلى الله عليه وسلم-: «قل لها: ترين عندى أحدا؟ فإنها لن ترانى» .
وفى رواية أيضا: «كان- صلى الله عليه وسلم- يصلى عند الكعبة، وجمع من قريش فى مجالسهم، إذ قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائى، أيكم يقوم إلى جزور آل فلان، فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها، فيجىء به ثم يمهله حتى
(١) أى: يسجد ويلصق وجهه بالتراب. (٢) أى: يرجع ماشيا إلى الوراء. (٣) سورة العلق: ٦- ١٩. (٤) صحيح: أخرجه مسلم (٢٧٩٧) فى صفة القيامة، باب: قوله إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى. (٥) سورة المسد: ١.