وسببه: انصباب أحد الأخلاط أو أبخرة تصعد من المعدة إلى الدماغ، فإن اندفع إلى الخياشيم «١» أحدث الزكام، أو إلى العين أحدث الرمد، أو إلى اللهاة «٢» والمنخرين أحدث الخنان- بالخاء المعجمة والنون-، أو إلى الصدر أحدث النزلة، أو إلى القلب أحدث الشوصة «٣» ، وإن لم ينحدر وطلب نفاذا فلم يجد أحدث الصداع، كما تقدم. وروى أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يعالج الرمد بالسكون والدعة وترك الحركة.
وفى سنن ابن ماجه عن صهيب قال: قدمت على النبى- صلى الله عليه وسلم- وبين يديه خبز وتمر فقال:«ادن وكل» ، فأخذت تمرا فأكلت، فقال:«تأكل تمرا وبك رمد؟» فقلت: يا رسول الله، أمضغ من الناحية الآخرى، فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «٤» . وقد روى أنه حمى عليّا من الرطب لما أصابه الرمد.
وفى البخارى من حديث سعيد بن زيد قال: سمعت النبى- صلى الله عليه وسلم- يقول:«الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين»«٥» . والكمأة: نبات لا ورق لها ولا ساق، يوجد فى الأرض من غير أن يزرع. وروى الطبرانى من طريق المنكدر عن جابر قال: كثرت الكمأة على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فامتنع قوم من أكلها وقالوا: هو جدرى الأرض، فبلغه ذلك فقال:«إن الكمأة ليست جدرى الأرض، ألا إن الكمأة من المن»«٦» . واختلف فى قوله: «من
(١) يقصد: الأنف. (٢) اللهاة: اللحمة التى فى أقصى الحلق. (٣) الشوصة: وجع فى البطن من ريح تنعقد تحت الأضلاع. (النهاية فى غريب الحديث) مادة (شوص) . (٤) حسن: أخرجه ابن ماجه (٣٤٤٣) فى الطب، باب: الحمية، وقال البوصيرى فى «الزوائد» : إسناده صحيح، رجاله ثقات. (٥) صحيح: أخرجه البخارى (٤٤٧٨) فى التفسير، باب: وقوله تعالى: وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى، ومسلم (٢٠٤٩) فى الأشربة، باب: فضل الكمأة ومداواة العين بها. (٦) قلت: هو عند الترمذى (٢٠٦٨) بنحوه فى الطب، باب: ما جاء فى الكمأة والعجوة، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-، وقال الترمذى: هذا حديث حسن، وهو كما قال.