التعبد- الليالى ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها، حتى فجأه الحق وهو فى غار حراء.
فجاءه الملك فيه، فقال: اقرأ، «فقلت ما أنا بقارئ، فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد «١» ، ثم أرسلنى «٢» » ، فقال: اقرأ، «فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى» ، فقال: اقرأ، «فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذنى فغطنى الثالثة حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى» فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ حتى- بلغ- ما لَمْ يَعْلَمْ «٣»«٤» .
فرجع بها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يرجف فؤاده «٥» ، حتى دخل على خديجة، فقال:«زملونى زملونى»«٦» فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال:
«يا خديجة، ما لى؟» وأخبرها الخبر، ثم قال:«قد خشيت على نفسى» .
فقالت له: كلا أبشر، فو الله لا يخزيك «٧» الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل «٨» ، وتقرى الضيف «٩» ، وتعين على نوائب الحق «١٠» .
(١) غطنى: أى ضمنى وعصرنى، أما الجهد: فيجوز فيها فتح الجيم وضمها، وهو الغاية والمشقة، ويجوز نصب الدال ورفعها، فعلى النصب: بلغ جبريل منى الجهد، وعلى الرفع: بلغ الجهد منى مبلغه وغايته. (٢) أرسلنى: أى أطلقنى. (٣) سورة العلق: ١- ٥. (٤) قلت: فى هذا الحديث دلالة صريحة على أن أول ما نزل من القرآن: اقرأ، خلافا لمن يقول بغير ذلك كسورة الفاتحة مثلا. (٥) يرجف فؤاده: أى يرتعد ويضطرب. (٦) زملونى: أى غطونى بالثياب ولفونى بها. (٧) الخزى: هو الفضيحة والهوان. (٨) الكلّ: أصل الكل الثقل، ومنه قوله تعالى: وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ، ويدخل فى حمل الكل، الإنفاق على الضعيف واليتيم والعيال، وغير ذلك، وهو من الكلال، وهو الإعياء. (٩) تقرى الضيف: أى تطعم الضيف، حيث يقال للطعام الذى يضيف به قرى، ويقال لفاعله: قار. (١٠) النوائب: جمع نائبة، وهى الحادثة، وإنما قالت: نوائب الحق، لأن النائبة قد تكون فى الخير، وقد تكون فى الشر.