وكأنهم لهذا يستغربون نصب الكلمة للمفعول به، فيجعلون {شَيْئًا} في الآية السابقة مفعولاً مطلقًا، يقولون: أي شيئًا من الإغناء، أو نحو ذلك. وهذه ــ فيما أرى ــ غفلة عن الأساس الذي تقدم بيانه.
فنرى الزمخشري يقدرها في بعض المواضع بما يقتضيه السياق، فيقول:"من عذاب الله" كما في "تفسيره"(٥٨/ ١٧)(١) و (٦٦/ ١٠)(٢). مع أنه أولَ ما وقعت (٣: ١٠){إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ}، قال:" (من) في قوله: {مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} مثله في قوله: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}[النجم: ٢٨] والمعنى: لن تغني عنهم من رحمة الله، أو من طاعة الله {شَيْئًا} أي بدل رحمة الله وطاعته، وبدل الحق"(٣).
وهذا تعسّف وغفلة عن السياق وعن الأساس الذي مرّ بيانُه.
(١) يعني تفسير قوله تعالى في سورة المجادلة (١٧): {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}. قال في "الكشاف" (٤/ ٤٩٥): " {مِنَ اللَّهِ} من عذاب الله {شَيْئًا} قليلاً من الإغناء". (٢) وذلك قوله تعالى في سورة التحريم (١٠): {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}. قال الزمخشري: "لم يغن الرسولان عنهما ... إغناءً ما من عذاب الله". "الكشاف" (٤/ ٥٧١). (٣) "الكشاف" (١/ ٣٣٩).