لهذا قوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: ٧٨] , وقوله سبحانه:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥] , وما في معناها, وقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم:«إن الدين يُسْرٌ» الحديث (١).
وهذا هو الذي فهمه الفقهاء، فقالوا: إنه يُعْفَى عما يَشُقُّ الاحترازُ عنه من النجاسات [٦٣٩] ونحوها. وقالوا: إن المرأة إذا اشتبهت بأجنبيَّاتٍ غير محصوراتٍ لم يحرم على أبيها مثلًا أن يتزوَّج واحدةً منهنَّ، بل جعلوا هذا المعنى أصلًا من أصول الشريعة، فقالوا:«إن المشقة تجلب التيسير»، ووسَّعوا دائرة الإكراه الذي يبيح إظهار الكفر فلم يحصروه في تَيَقُّنِ القتل إذا لم يعمله.
فإن قلت: ولكن النفي في قوله: {لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} يخالف ما ذُكِرَ؛ فإنه نصٌّ في نفي جنس الطاقة.
قلت: صدقت، ولكن معنى الطاقة القدرة على الشيء بدون صعوبة شديدة، وقد نبَّه على ذلك الراغبُ، فقال:«فقوله: {مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} أي: ما يصعب علينا مزاولته، وليس المعنى: لا تحمِّلنا ما لا قدرة لنا به ... »(٢).
أقول: ومما يبين ذلك حديث المعراج وهو في الصحيحين وغيرهما من طرقٍ، وفيه مراجعة موسى لمحمَّد عليهما الصلاة والسلام في فرض الصلوات، وقوله له:«إن أمتك لا تستطيع ذلك»، وفي رواياتٍ: لا تطيق
(١) صحيح البخاريِّ، كتاب الإيمان، بابٌ: الدينُ يسرٌ، ١/ ١٦، ح ٣٩. [المؤلف] (٢) المفردات ٥٣٢.