عن ديني ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، فقال النبي -عليه السلام- (١): "إنه قد صدق"، فقال عمر - رضي الله عنه -: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي -عليه السلام- (١): "إنه قد شهد بدرًا وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"، فأنزل الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}(٢) صفة للاسم المذكور كقولك: لا تتخذوا صديقًا يفشي إليك سرك، الباء زائدة (٣){يُخْرِجُونَ} في معنى الحال للذين كفروا و {أَنْ تُؤْمِنُوا} تعليل لإخراجهم {إِنْ كُنْتُمْ} شرط للنهي.
{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ} الآية في الذين حسن إسلامهم من المؤلفة قلوبهم ومن سائر الطلقاء. وعن عبد الله بن الزبير: قال: قدمت قُتَيلة بنت عبد العزى بن أسيد على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا من ضباب وسمن وأقط فلم تقبل هداياها ولم تدخلها منزلها، فسألت بها عائشة، فأنزل الله تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ}{أَنْ تَبَرُّوهُمْ}(٤) أي أن تحسنوا إليهم {وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} أي تؤمنوا إليهم عهودهم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} قال مقاتل وغيره: نزلت الآية في سبيعة بنت الحارث الأسلمية وكانت تحت صيفي بن راهب فهربت منه عام الحديبية بعد الموادعة ولحقت بالمسلمين وهم بالحديبية، فجاء صيفي ليستردّها وهو يقول: العهد بيننا وبينكم أن تردّوا علينا من لحق منا بكم فلا تغدروا بنا
(١) (السلام) ليست في "ي"، وفي "ب": (النبي صلى الله -عليه السلام-). (٢) البخاري (٣٠٠٧)، ومسلم (٢٤٩٤)، وأحمد (٢/ ٣٧) وغيرهم. (٣) القول بزيادة الباء هو قول الكوفيين؛ وهو قول الفراء، وإنها مزيدة في المفعول به، ومثله قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ} وفيه قول آخر وهو أن الباء للسببية، والتقدير: تلقون إليهم أسرار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخباره بسبب المودة التي بينكم. ونقل الحوفي عن البصريين أنها متعلقة بالمصدر الدال عليه "تلقون" أي: إلقاؤهم بالمودة. [معاني القرآن للفراء (٣/ ١٤٧)، الدر المصون (١٠/ ٢٩٨)]. (٤) أحمد (٤/ ٤)، والطيالسي (١٧٤٤)، والبزار (٢٢٠٨)، وسنده ضعيف، وأصله في البخاري (٢٦٢٠).