من الأغنياء ليخدمهما ولينفقا عليه، فهذان الرجلان قدما صحبهما في سفر ليهيىء لهما المنزل والطعام فغلبه النوم فلم يفعل شيئًا مما أمراه به، فأرسلاه إلى النبي -عليه السلام- ليسأله فضل طعام، فلما غاب قال أحدهما للآخر: والله لو أرسلناه إلى سميحة أو سُمَيحة - وهي بئر ذات ماء كثير - لقال ليس فيها ماء فهذه عيبتهما.
ثم إن الفقير أتى رسول الله -عليه السلام- (١) وأدّى الرسالة فقال رسول الله (٢): "انطلق إلى أسامة بن زيد" وكان أسامة بن زيد يحفظ طعام رسول الله (٢)، فأتاه فلم يجد عنده شيئًا، فرجع إلى صاحبيه وأخبرهما بالقصة، فأتاهما أسامة بن زيد وقالا: هو رجل بخيل أمره رسول الله ولم يعط فهذا ظنهما الذي هو الإثم، ثم إن الرجلين راحا إلى رسول الله (٢) وقد أنزل الله هذه الآية (٣){إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} لحلوله محل الاعتقاد الفاسد {أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} لأن المغتاب ينال من أخيه في حال لا يمكنه الامتناع كالذي يأكل لحم أخيه ميتًا.
{شُعُوبًا} وهي الأجيال التي تشعّبت من أولاد نوح -عليه السلام- {وَقَبَائِلَ} هي البيوت من كل جيل، والآية نزلت في ثابت بن قيس (٤).
وعن ابن عباس قال: ما تعدُّون الكرام فيكم وقد بيّن الله أكرمكم عند الله أتقاكم، وما تعدون الحسب فيكم أحسنكم أخلاقًا أكرمكم إحسانًا (٥)، وقال -عليه السلام- (٦): "لينتهين رجال يفتخرون برجال من رجال الجاهلية قد صاروا حممًا في النار ويجعلنَّهم الله أذل من الجُعُل يدفع النتن بأنفه"(٧) وقيل: الفخر بالهمم العالية لا بالرمم البالية.
(١) (السلام) ليست في "ي"، وفي "ب": (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). (٢) في "ب": (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). (٣) ذكره القرطبي في تفسيره (١٦/ ٣٣١). (٤) ابن الجوزي في "زاد المسير" (٧/ ٤٦٥). (٥) "الأدب المفرد" (٨٩٩) والحديث صحيح. (٦) (السلام) ليست في "ي" وفي "ب": (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). (٧) أبو داود (٥١١٦)، والترمذي (٣٩٥٥)، وأحمد (١/ ٣٠١) والحديث حسن.