{مِعْشَارَ} عشير، وقيل: عشير العشير، وهذه الآية في معنى قوله:{مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ}[الأنعام: ٦].
{بِوَاحِدَةٍ} بخصلة واحدة {أَنْ تَقُومُوا} لتلك الخصلة {ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} أي في محمد هل هو مجنون أم ليس بمجنون، وقوله:{مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} كلامًا مبتدأ على هذا التقدير وهو تزكية من الله تعالى لمحمد -عليه السلام-، ويحتمل أن التقدير فيه {ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} أي شيء بصاحبكم من جنون، فإن كان التقدير هكذا لم يحسن الوقف على قوله:{ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}.
{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} على الباطل فيدمغه، الواو في {وَمَا يُبْدِئُ} لعطف الجملة، وهذه الآية في معنى قوله:{قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ}[يونس: ٣٤]، {إِنْ ضَلَلْتُ} قائمًا {أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي} أي إن سلكت طريق الشر ودعوتكم إلى الشر فأنا شريككم فيه {وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ} أي إن سلكت طريق الخير ودعوتكم إلى الخير فبوحي الله وإذنه، وإن كان ذلك من جهة الله تعالى لزمكم قبوله.
{وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا} تذكير وقت إحساس اليأس، واليأس عن الناس وانقطاع الأنفاس، وذلك حين ينخفض الصوت ويقترب الموت ويتعذر الفوت. عن سمرة قال: قال -عليه السلام- (١): "مثل الذي يفر من الموت كالثعلب فطالبته الأرض بدين يسعى حتى إذا عيَّ وابتهر دخل جحره (٢) فقالت له الأرض عند سبلته: يا ثعلب ديني ديني، فخرج، فلم يزل كذلك حتى انقطع عنقه فمات"(٣).
{وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ} أنه الذي قال الله: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا}[غافر: ٨٥]{وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ} كيف لهم منازل الإيمان وطلب الأمان. {مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} لبُعد معاينة البأس عن رتبة الاختيار والاختبار.
(١) (السلام) ليست في "ي". (٢) في "أ": (حجره). (٣) البيهقي في الشعب (١٠٦٩٥)، والدارقطني في حديث أبي الطاهر (٥٥). والمحفوظ أنه حديث موقوف كما قال البيهقي.