ذكرَ بعضُ من تكلَّمَ على معاني الحديثِ: أنَّ في هذا الحديثِ منَ الفقهِ: قَبولَ خبرِ الواحدِ، قال: لأنَّ أمَّ زرعٍ أَخبرتْ بِما أَخبرتْ، فامتثَلَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - (١).
قال الفَقِيهُ القَاضِي - رضي الله عنه -:
هذا كلامُ مَنْ لا يعرِفُ خبرَ الواحدِ ولا قَبولَهُ، والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا نقولُ أنَّه امتثلَ / حالَ أبي زرعٍ في إحسانِهِ لأمِّ زرعٍ، بل قد كان كذلِك، وإنَّما أخبر عائشةَ أنَّه لها مثلُ أبي زرعٍ لأمِّ زرعٍ؛ ألا تَراهُ كيف قال:«كنتُ لَكِ» فأخبرَ عنْ حالةٍ كائِنةٍ ثابِتةٍ، وإنْ كانَ إنَّما تأسَّى بشِيمةِ أبي زرعٍ، كما قال المُهلَّبُ (٢) قبلُ: / إنَّ فيه التَّأسِّي بأهلِ الإحسانِ منْ كلِّ أمَّةٍ. فليس هذا منْ بابِ قَبولِ خبرِ الواحدِ؛ لأنَّ التَّأسِّي بِمحاسِنِ الأخلاقِ / شِيمةُ أهلِ الفضلِ، وامتِثالَ محاسِنِ السِّيرِ مِنْ شمائِلِ أولِي العدلِ، وخبرُ الواحدِ من بابٍ آخَرَ، مأخذُهُ ومُستندُهُ إلى صاحبِ الشَّرعِ، وقَبُولُهُ وامتثالُ مقتضاهُ حكمٌ، طريقُهُ عند أهلِ التَّحقيقِ: القَطعُ، وفِيما ألمَعْنَا به مِنَ القولِ كِفايةٌ لا يَحتمِلُ أكثرَ منها الوُسْعُ.
بَيَانٌ:
ونحنُ الآنَ نَفِي بما وَعدْنَاهُ (٣) مِنْ ذكرِ ما اشتَملَ عليه هذا الحديثُ مِنْ ضُرُوبِ الفصاحَةِ، وفُنونِ البلاغَةِ، والأبوابِ المُلقَّبَةِ بالبديعِ في هذِه الصِّناعَةِ، مِنْ لفظٍ رائِقٍ، / ومعنًى فائِقٍ، ونظمٍ مُتناسِبٍ، وتأليفٍ مُتعاضِدٍ مُتناسِقٍ.
(١) ذكره المهلب بن أبي صفرة- كما في «فتح الباري» لابن حجر (٩/ ٢٧٧). (٢) ينظر: «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٧/ ٢٩٨). (٣) في (ل)، و (ب): «وعدنا به».