وتابعهُ على ذلك سائرُ الشَّارحين، فقد ظهرَ لِي فيه معنى صحيحٌ- إنْ شاءَ اللهُ- في اللغةِ، بَيِّنٌ في التَّأويلِ، وهو أنْ يكونَ مأخوذًا مِنَ الغَيَايَةِ، وهي كلُّ ما أظلَّ الإنسانَ فوقَ رأسِهِ من سحابٍ وغيرِهِ ونحو ذلك، ومنه سُمِّيتْ الرَّايةُ: غَايةً؛ فكأنَّه غُطِّي عليه منْ جَهلِهِ، وسُتِرتْ عنه مصالِحُهُ (١)، وهو كقولِهم: طَبَاقَاء.
قال ابن الأعرابَيُّ (٢): الطَّباقاءُ: هو المُطبقُ عليه حُمقًا.
قال ابنُ دُرَيْدٍ (٣): هو الَّذي تَنطبِقُ عليه أمورُه، فَلا يَهتدِي لِوجْهِها.
قال الأصمعِيُّ (٤): هو الَّذي أمورُه مُطْبَقَةٌ عليه، ونحوه عن يعقُوبَ. /
وقال أبو عُبَيدٍ (٥): هو العَيِيُّ الأحمقُ الفَدْمُ.
وكلُّ هذا قريبٌ بعضُهُ منْ بعضٍ؛ فلا فرقَ إذًا بينَ قولِها «غَيَايَاءُ» بالغَينِ،
/ و «طَبَاقَاء»، فلا يصحُّ إذًا قولُ من قال: إنَّ الغَينَ ليس بشيءٍ.
وقد يُمكنُ أنْ يكونَ أيضًا مأخوذًا منَ الغَيِّ، وهو الانْهِماكُ في الشَّرِّ، أو مِنَ الغَيِّ، وهي الخَيْبةُ، قال اللهُ تعالى:{فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[مريم: ٥٩]، قيلَ: خَيْبةٌ، وقيلُ: غيرُ هذا (٦)، كأنَّه خائبٌ مِنْ كُلِّ فضيلةٍ. /
(١) ينظر: «غريب الحديث» لأبي عبيد (١/ ٩٣)، و «الصحاح» (غيا) (٦/ ٢٤٥١)، و «النهاية» (٣/ ٤٠٣). (٢) ينظر: «تهذيب اللغة» أبواب القاف والطاء (٩/ ٣٢)، و «تفسير غريب ما في الصحيحين» (ص: ٥١٩)، و «النهاية» (٣/ ٤٠٣). (٣) ينظر: «جمهرة اللغة» (٣/ ١٢٢٩). (٤) ينظر: «غريب الحديث» للخطابي (٢/ ٤٦٤). (٥) «غريب الحديث» لأبي عبيد (٢/ ٢٩٥). (٦) «الهداية الى بلوغ النهاية» لحموش (٧/ ٤٥٦٣)، و «إيجاز البيان عن معاني القرآن» (٢/ ٥٣٩)، وتفسير الماوردي = «النكت والعيون» (٣/ ٣٨٠)، وتفسير العز بن عبد السلام (٢/ ٢٨٣) و «اللباب في علوم الكتاب» (١٠/ ٤٧٩)، وتفسير القرطبي (١١/ ١٢٥).