قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ بِإِصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ فَرَفَعَهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: «اللَّهُمَّ اشْهَدِ، اللَّهُمَّ اشْهَدِ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ» ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، لَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئاً، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى وَقَفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصُّخَيْرَاتِ - وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: إِلَى الشُّجَيْرَاتِ - وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ، حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ، فَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، ثُمَّ دَفَعَ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إِنَّهُ لَيُصِيبُ رَأْسُهَا مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، كُلَّمَا أَتَى حَبْلاً مِنَ الْحِبَالِ (١) أَرْخَى لَهَا قَلِيلاً، حَتَّى تَصْعَدَ حَتَّى، أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، صَلَّى الْفَجْرَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَا اللَّهَ، وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، ثُمَّ دَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ ابْنَ الْعَبَّاسِ وَكَانَ رَجُلاً حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيماً، فَلَمَّا دَفَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِالظُّعُنِ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَدَهُ فَوَضَعَهَا عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَحَوَّلَ الْفَضْلُ رَأْسَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ، فَوَضَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ، حَتَّى إِذَا أَتَى مُحَسِّرَ (٢) حَرَّكَ قَلِيلاً، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى، الَّتِي تُخْرِجُكَ إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى إِذَا أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَهَا الشَّجَرَةُ فَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ حَصَاةٍ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ، ثُمَّ رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثاً وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِي بُدْنِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ، فَأَكَلَا مِنْ لُحُومِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا، ثُمَّ رَكِبَ فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ فَأَتَى الْبَيْتَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ، وَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْتَقُونَ على زَمْزَمَ فَقَالَ: «انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلَا يَغْلِبُكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ» فَنَاوَلُوهُ دَلْواً فَشَرِبَ " (٣).
(١) المراد تلال من الرمل.(٢) هو الوادي الذي بين المزدلفة ومنى، وهو معلوم معروف.(٣) رجاله ثقات، وأخرجه مسلم حديث (١٢١٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute