ثالثًا - دليل التأديب بالهجر من عمل الصحابة -رضي الله عنهم-:
١ - ومن ذلك: «أن أبا سعيد الخدري (١) -رضي الله عنه- لقي رجلًا، فأخبره عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا، فذكر الرجل خبرًا يخالفه، فقال أبو سعيد: والله لا آواني وإياك سقف بيت أبدًا» (٢).
ففي هذا الفعل من أبي سعيد -رضي الله عنه- دليل على «مجانبة من ابتدع وهجرته، وقطع الكلام معه»(٣).
٢ - وعن سعيد بن جبير -رحمه الله- أن قريبًا لعبد الله بن مغَفَّل -رضي الله عنه- خَذَفَ (٤)، قال فنهاه، وقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الخَذْف، وقال:«إنها لا تصيد صيدًا، ولا تنكأُ عدوًا، ولكنها تكسر السن وتفقأ العين»، قال: فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عنه ثم تخذِف، لا أكلمك أبدًا (٥).
(١) أبو سعيد الخدري (٧٤ هـ)، هو: سعيد بن مالك بن سنان، أنصاري، مدني، من صغار الصحابة وخيارهم. كان من المكثرين للرواية عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقيهًا مجتهدًا مفتيًا، ممن بايعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا تأخذهم في الله لومة لائم. شهد معه الخندق وما بعدها. الإصابة للحافظ ابن حجر (٢/ ٣٤)، وسير أعلام النبلاء (٣/ ١١٤ ـ ١١٧)، والبداية والنهاية (٩/ ٤). (٢) الرسالة للشافعي، ف (١٢٣٠)، ت: أحمد شاكر؛ حيث ذكر الشافعي هذا الأثر دون سند، فقال: «وأُخْبرْنا … ». (٣) التمهيد لابن عبد البر (٤/ ٨٧). (٤) هو: رميك حصاة أو نواةً تأخذها بين سبابتيك وترمي بها، أو تتخذ مِخذفة من خشب ثم ترمي بها الحصاة بين إبهامك والسبابة. النهاية في غريب الحديث، مادة: «خذف» (٢/ ١٦). (٥) رواه مسلم في صحيحه: كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة ما يستعان به على الاصطياد والعدو وكراهة الخذف (برقم: ١٩٥٤).