القول الثاني: أنه يعود إلى الله، واختلفوا في تفسير الخشية: فذهب الفراء، والطبري: إلى أنها بمعنى العلم (١)، كما أن الظن يأتي بمعنى العلم (٢). وقال الزجاج:(الخشية من الله: بمعنى: الكراهة)(٣).
وقال ابن عقيل: المعنى: فعلنا فعل الخاشي (٤).
وقال ابن عطية:(الخشية إنما هي من جهة المخاطبين)(٥).
قلت: والراجح الذي يشهد له سياق الكلام هو القول الأول: أن المتكلم هو الخضر.
قال القرطبي:(قوله تعالى: {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا}[الكهف:٨٠] قيل: هو من كلام الخضر عليه السلام، وهو الذي يشهد له سياق الكلام، وهو قول كثير من المفسرين)(٦).
وقال الشوكاني:(قيل: ويجوز أن يكون: {فَخَشِينَا}[الكهف:٨٠]، من كلام الله، ويكون المعنى: كرهنا كراهة من خشي سوء عاقبة أمره فغَيَّره، وهذا ضعيف جداً، فالكلام كلام الخضر)(٧).
ومما يؤيد هذا: أن الأصل البقاء على ظاهر معنى الخشية الأصلي، ولا حاجة إلى التأويل.
ومن قواعد الترجيح عند المفسرين: وجوب حمل نصوص الوحي على الحقيقة، وكذلك: إعادة الضمير إلى مذكور أولى من إعادته إلى غير مذكور (٨)، والذي له سابق ذكر هو الخضر.
وأما استعماله لضمير الجمع فيقال فيه ما يُقال في قوله تعالى:{فَأَرَدْنَا}[الكهف:٨١].
قال ابن عطية:(والضمير عندي: للخضر وأصحابه الصالحين الذين أهمهم الأمر وتكلموا فيه)(٩).
(١) معاني القرآن ٢/ ١٥٧، جامع البيان ١٥/ ٣٥٧. (٢) ينظر: معالم التنزيل ٣/ ١٤٧. (٣) معاني القرآن وإعرابه ٣/ ٣٠٥. (٤) زاد المسير ٥/ ١٣٢. (٥) المحرر الوجيز ٣/ ٥٣٦. (٦) الجامع لأحكام القرآن ١١/ ٣٦. (٧) فتح القدير ٣/ ٣٧٦. (٨) ينظر: قواعد الترجيح عند المفسرين ٢/ ٣٨٧، ٥٩٣. (٩) المحرر الوجيز ٣/ ٥٣٦.