قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ تَدَبَّرَ النَّاسُ هَذِهِ السُّورَةَ لَوَسِعَتْهُمْ (١).
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتمثلون لهذا التوجيه الرباني في هذه السورة الكريمة، فيذكر بعضهم بعضاً ويتواصون بالحق والشواهد في هذا كثيرة.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي بردة قال: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَبَا مُوسَى وَمُعَاذَ بنَ جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ، قَالَ: وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنهُمَا عَلَى مِخْلَافٍ (٢)، قَالَ: وَاليَمَنُ مِخْلَافَانِ، ثُمَّ قَالَ: «يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا»، فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُمَا إِلَى عَمَلِهِ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُمَا إِذَا سَارَ فِي أَرضِهِ كَانَ قَرِيبًا مِن صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا فَسَلَّمَ عَلَيهِ، فَسَارَ مُعَاذٌ فِي أَرضِهِ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَبِي مُوسَى، فَجَاءَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انتَهَى إِلَيهِ النَّاسُ، وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ قَد جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ أَيَّمَ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسلَامِهِ، قَالَ: لَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَالَ: إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِذَلِكَ فَانْزِلْ، قَالَ: مَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، فَأَمَر بِهِ فَقُتِلَ، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، كَيفَ تَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قَالَ: أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا. وَفِي رِوَايَةٍ: قَائِمًا، وَقَاعِدًا، وَعَلَى رَاحِلَتِي (٣). قَالَ: فَكَيفَ تَقْرَأُ أَنتَ يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيلِ، فَأَقُومُ وَقَد قَضَيْتُ جُزْئِي مِنَ النَّوْمِ، فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللهُ لِي
(١) تفسير ابن كثير (١٤/ ٤٥١).(٢) أي إقليم.(٣) صحيح البخاري برقم ٤٣٤٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute