وكان قتادة يقول: كانوا يتوارثون بالهجرة والمؤاخاة، فنسخ ذلك الآية في آخر سورة النساء (١).
وكان الحسن لا يرى بأسا أن يوصي لقرابته اليهودي والنصراني، ويقرأ هذه الآية:{إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا}(٢).
وقال قتادة: هي في الوصية لأهل الشرك من قرابته ولا ميراث لهم، {كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} قال: مكتوبا، لا يرث كافر مسلما (٣).
وقال مجاهد:{إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} قال: حلفاؤكم الذين والى بينهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار (٤)
والصحيح في هذه الآية أن الأولياء في هذا الموضع: هم الذين آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم من المهاجرين والأنصار، فكانوا يتوارثون بذلك حتى نزل في آخر سورة الأنفال:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(٥) ونزل في هذه السورة {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} فنسخت آية الأنفال هذه الآية، وصارت الموارثة بالإيمان، وذلك بعد فتح مكة حين انقطعت الهجرة، وأمروا أن يفعلوا معروفا فيما بينهم من المؤاخاة (٦).
قال الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا}(٧) إلى آخر الآيتين.
قالت عائشة رضي الله عنها: لمّا نزلت {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ? يا عائشة إنه قد حدث أمر، فلا تفتاتي بشيء حتى تستأمري أبويك، ثم قرأ عليها القرآن، فقالت: بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة? (٨) وزاد فيه أبو سلمة (٩) وقالت: ? لا تخبر
(١) أخرجه الطبري في تفسيره (٦/ ٢٩٦) بمعناه. قوله: " فنسخ ذلك الآية في آخر سورة النساء" كذا في الأصل، والظاهر أنه سبق قلم، لثلاثة أمور: الأول: إن المعروف من كلام أهل العلم من المفسرين؛ أن الذي نسخ التوارث بالهجرة والمؤاخاة آخر الأنفال وليس آخر النساء، ولم أقف على من ذكر قولا بهذا المعنى. الثاني: إنه لا ذكر في آخر النساء للولاء والمؤاخاة والهجرة، التي كان عليها التوارث. الثالث: أن الأثر عن قتادة قد أخرجه الطبري ـ كما تقدم ـ وفيه: أنها آخر الأنفال. الرابع: أنه ذكر بعد ذلك أنها في الأنفال. (٢) أخرجه عبد الرزاق [٦/ ٣٤ كتاب، باب عطية المسلم الكافر] بمعناه. (٣) أخرجه الطبري في تفسيره (١٠/ ٢٦٠) بنحوه، دون آخره، وقد أورده في الدر المنثور (٦/ ٥٦٨) بتمامه، وعزاه إلى الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر. (٤) أخرجه الطبري في تفسيره (١٠/ ٢٦١) به. (٥) سورة الأنفال (٧٥). (٦) وتابعة على اختياره ـ أن الآية في نسخ التوارث بالولاء وهو المؤاخاة التي كانت بين الأنصار والمهاجرين، إلى التوارث بالقرابة ـ ابن العربي في أحكام القرآن (٣/ ٥٤٢). (٧) سورة الأحزاب (٢٨). (٨) أخرجه البخاري [١٠١٨ كتاب التفسير، باب: وإن كنتن تردن الله] ومسلم [٢/ ٩٨٢ كتاب الطلاق] بنحوه. (٩) هو: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، قال ابن سعد: كان ثقة فقيها كثير الحديث، توفي سنة ٩٤ هـ. ينظر: طبقات ابن سعد (٥/ ٨٠) وتهذيب التهذيب (٦/ ٣٥١).