قال الله عز وجل: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} (١).
قال بعض المفسرين: أيّ وقتٍ ذَكَرَ استثنى ولو بعد سنين (٢).
وقال بعضهم: بعد أربعة أشهر (٣).
وقال بعضهم: ما لم يقم من مقعده ذلك (٤).
وقال آخرون: ما لم يقطع كلامه، ما كان الاستثناء متصلا باليمين (٥).
وقيل: إن ذلك إنما نزل لما وعد (٦) الله اليهود، عندما سألوه عن ذي القرنين، وعن خبر صاحب موسى، وعن الروح، فقال: غدا أخبركم، فتأخر الوحي عنه خمسة عشر يوما، ثم أتاه جبريل - عليه السلام - بالجواب (٧)، وعُلِّم أن يقول: إن شاء الله؛ لأنه لم يكن استثناها، فإنما الاستثناء في الأيمان فإنما يكون متصلا بالكلام.
فأما قول من قال: أربعة أشهر؛ فلا يُعرف وجهه (٨).
وأما قول من قال: أي وقت ذكر ولو بعد سنين؛ فهذا قول يبطل حكم آية محكمة وليس إلى ذلك من سبيل، قال الله عز وجل:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}(٩) الآية، وقال:{ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ}(١٠) فلو كان يستثني أي وقت ذكر لم يكن للكفارة موضع، وكان قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها)(١١) قال إن شاء الله وسقطت عنه، ولم يقل له:(وكفر عن يمينك وأت الذي هو خير) وإنما أُتي قائلوا هذه المقالة من أنهم جعلوا {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}(١٢) متصلا بالكلام الأول، وليس كذلك؛ وإنما قيل:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} أي إذا نسيت مرة فلا تنس في كل وقت، ويجوز:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} فحلَفْتَ، بأن (١٣) تَرجعَ إلى الذي هو خير، كما عَلّم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويكفر إذا نسي أن يستثني، وهذه المعاني لا تدفعها آية الكفارة، ولا هي دافعة لها أيضا، إذ القرآن يصدق بعضه بعضا.
وقال بعض المفسرين: إن هذا منفصل من الآية، وإنه مخاطبة
لسائر الناس، فقال عكرمة: إذا عصيت فافزع إلى الله عند السهر (١٤)
(١) سورة الكهف (٢٣، ٢٤). (٢) عزاه في الاستذكار (٥/ ١٩٣) إلى ابن عباس - رضي الله عنه - ومجاهد، ونسبه في المحلى (٨/ ٤٨) إلى مجاهد. (٣) نسبه في المحلى (٨/ ٤٨) إلى سعيد ين جبير. (٤) هو قول طاوس، أخرجه عبد الرزاق [٨/ ٥١٨ كتاب الأيمان والنذور، باب الاستثناء في اليمين]. (٥) أخرجه البيهقي [١٠/ ٤٧ كتاب الأيمان، باب صلة الاستثناء باليمين] عن ابن عمر رضي الله عنهما. وأخرجه عبد الرزاق [٨/ ٥١٧ كتاب الأيمان والنذور، باب الاستثناء في اليمين] عن عطاء، والحسن، والزهري، والثوري. وعزاه في الاستذكار (٥/ ١٩٣) إلى أكثر العلماء. (٦) كذا في الأصل، والسياق يقتضي زيادة: رسول. (٧) أخرجه الطبري في تفسيره (٨/ ١٧٤) عن ابن عباس رضي الله عنهما، بسياق أطول من هذا. (٨) أشار ابن حزم في المحلى (٨/ ٤٨) إلى وجه هذا القول، فذكر أن ذلك من باب القياس على الإيلاء. (٩) سورة المائدة (٨٩). (١٠) سورة المائدة (٨٩). (١١) أخرجه مسلم [٣/ ١٠٣٠ كتاب الأيمان] من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (١٢) سورة الكهف (٢٤). (١٣) لوحة رقم [٢/ ١٨١]. (١٤) كذا في الأصل، ويحتمل أنه: السهو.