وقد زَارَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - قَبْرَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ ... أَبِي مُلَيْكَةَ:"أَنَّ عَائِشَةَ أَقْبَلَتْ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ المَقَابِرِ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتِ؟ قَالَتْ: مِنْ قَبْرِ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لَهَا: أَلَيْسَ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ قَدْ نَهَى، ثُمَّ أُمِرَ بِزِيَارَتِهَا"(٢).
ويؤيِّد رجحان الجواز حديث أَنَس - رضي الله عنه -، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ:"اتَّقِي الله وَاصْبِرِي"(٣).
وموضع الدَّلالة أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أمرها بتقوى الله - عز وجل - والصَّبر، ولم ينكر عليها قعودها عند القبر، ولم ينهها عن الزِّيارة، وإنّما نهاها عن الجزع. وَتَقْرِيرُهُ - صلى الله عليه وسلم - بَيِّنة وحجَّة، ولذلك ترجم عليه البخاريّ (بَاب زِيَارَةِ القُبُورِ).
ثمّ إنَّ العلَّة الَّتي من أجلها شرعت الزِّيارة - وهي التَّذكير بالآخرة -تشترك فيها النِّساء مع الرِّجال.
وأمّا الإكثار من الزّيارة فهو المنهيُّ عنه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ
(١) مسلم "صحيح مسلم" (ج ٢/ص ٦٦٩) كِتَابُ الْجَنَائِزِ. (٢) الحاكم "المستدرك" (ج ١/ص ٤٨٥/رقم ١٤٢٣) سكت عليه الحاكم، وصحّحه الذّهبي في التّلخيص، والألبانيّ في "الإرواء" (ج ٣/ص ٢٣٤/رقم ٧٧٥). (٣) البخاري "صحيح البخاري" (ج ٢/ص ٧٣/رقم ١٢٥٢) كِتَابُ الجَنَائِزِ.