فإن قيل: كيف يكلمه الله تعالى مواجهة، وقد قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١)} [الشّورى].
فَالْجَوَاب أنَّ الْآيَة مَخْصُوصَة مُقَيَّدة بدار الدُّنْيَا، فالله تعالى لا يكلِّم فيها بشرًا مواجهة، والمراد أنَّ الله تعالى كلَّمه مواجهة بعدما أحياه حياة الشُّهداء، ... قال الله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (١٥٤)} [البقرة]، وقال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩)} [آل عمران].
فإن قيل كيف استحقّ هذه المنزلة عند الله تعالى، وقد تَرَكَ دَيْنًا وحقوقًا، والشّهادة لا تكَفِّرُ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ؟ ! والجواب، أنّه ترك دينًا وترك وراءه وفاءً له كما بيَّنته أحاديث أخرى، وكان بنيّته الوفاء بدينه، فقد أوصى ابنه جابرًا - رضي الله عنه - أن يقضي عنه دينه، قال: "فَإِنَّ عَلَيَّ دَيْنًا فَاقْضِ، وَاسْتَوْصِ بِأَخَوَاتِكَ خَيْرًا" (٢).