إِلَى تَحْلِيلِ الْمُحَرَّمِ لِلْحَرْبِ تَكُونُ بَيْنَهُمْ، فَيَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَحِلُوهُ، وَيَكْرَهُونَ تَأْخِيرَ حَرْبِهِمْ، فَيُؤَخِّرُونَ الْمُحَرَّمَ إِلَى صَفَرٍ، فَيُحَرِّمُونَهُ، ثُمَّ يَسْتَحِلُّونَ الْمُحَرَّمَ، وَهَذَا هُوَ النَّسِيءُ الَّذِي قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ﴾ (١)، إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
وَكَانَ ذَلِكَ فِي كِنَانَةَ؛ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَنْسَأُونَ الشُّهُورَ عَلَى العَرَبِ، كَانُوا يَمْكُثُونَ بِذَلِكَ زَمَانًا يُحَرِّمُونَ صَفَرًا، وَهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ الْمُحَرَّمَ، وَيَقُولُونَ: هُوَ أَحَدُ الصَّفَرَيْنِ، ثُمَّ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَأْخِيرِهِمْ صَفَرًا إِلَى الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ، كَحَاجَتِهِمْ إِلَى تَأْخِيرِ الْمُحَرَّمِ، فَيُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَهُ إِلَى رَبِيعِ، ثُمَّ يَمْكُثُونَ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَحْتَاجُونَ إِلَى نَقْلِهِ، ثُمَّ كَذَلِكَ فَكَذَلِكَ يَتَدَافَعُ شَهْرًا بَعْدَ شَهْرٍ، حَتَّى اسْتَدَارَ التَّحْرِيمُ عَلَى السَّنَةِ كُلَّهَا، فَقَامَ الإِسْلَامُ، وَقَدْ رَجَعَ الْمُحَرَّمُ إِلَى مَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهُ اللهُ بِهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ دَهْرٍ طَوِيلٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ: (إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ [يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (٢)، يَقُولُ] (٣): رَجَعَتِ الأَشْهُرُ إِلَى مَوَاضِعِهَا، وَبَطَلَ النَّسِيءُ.
وَ (البَلْدَةُ): اسْمٌ لِمَكَّةَ.
وَقَوْلُهُ: (رَجَبُ مُضَر) إِنَّمَا أُضِيفَ إِلَى مُضَرٍ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبَالِغُونَ فِي حُرْمَتِهِ، وَهَذِهِ الإِضَافَةُ تُفِيدُ مَعْنَى التَّعْرِيفِ وَتَخْلِيصِ الرَّجَبِ الحَقِيقِيِّ مِنَ الرَّجَبِ الَّذِي كَانُوا يَنْقُلُونَ إِلَيْهِ.
(١) سورة التوبة، الآية: (٣٧).(٢) حديث (رقم: ٤٤٠٦).(٣) ما بين المعقوفتين ساقطٌ من المخطوط، والاستدراكُ من غَرِيبِ الحديث لأبي عبيد (١/ ٣٧١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute