وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ، وَقَالَ: (إِنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ عَلَى النَّاسِ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ مِنْ رَوَاحَةَ عَلَى النَّاسِ) (١).
فَتَجَهَّزَ النَّاسُ، ثُمَّ تَهَيَّؤُوا لِلْخُرُوج، وَهُمْ ثَلَاثَةٌ آلَافٍ، فَلَمَّا حَضَرَ خُرُوجُهُمْ، وَدَّعَ النَّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَوَدَّعَهُمْ، فَلَمَّا وَدَّعَ عَبْدَ اللَّهِ بنَ رَوَاحَةَ بَكَى، فَقَالُوا لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: وَاللهِ مَا بِي حُبٌّ لِلدُّنْيَا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ (٢)، فَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصَّدْرِ بَعْدَ الوُرُودِ، ثُمَّ قَال: [مِنَ البَسِيطِ]
لَكِنِّي أَسْأَلُ الله مَغْفِرَةً … وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدا
أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرَّانَ مُجْهِزَةً … بِحِرْبَةٍ تُنْفِذُ الأَحْشَاءَ وَالكَبِدَا
حَتَّى يَقُولُوا إِذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي … أَرْشَدَكَ اللهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا
قَالَ زَيْدُ بنُ أَرْقَم (٣): كُنْتُ يَتِيمًا لِعَبْدِ اللهِ بن رَوَاحَةَ فِي حِجْرِهِ، فَخَرَجَ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ مُرْدِفِي عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَيَسِيرُ لَيْلَةً إِذْ سَمِعْتُهُ وَهُوَ يَتَمَثَّلُ بِأَبْيَاتِهِ: [مِنَ الوَافِر]
إِذَا أَدْنَيْتَنِي وَحَمَلْتَ رَحْلِي … مَسِيرَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الحِسَاءِ
فَشَأْنُكَ أَنْعُمٌ وَخِلَاكَ ذَمٌّ … وَلَا أَرْجِعْ إِلَى أَهْلِي وَرَائِي
[وَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ وَغَادَرُونِي … بِأَرْضِ الشَّامِ مُشْتَهِيي الثَّوَاءِ
(١) أخرجه البخاري (رقم: ٤٢٦١).(٢) سورة مريم، الآية (٧١).(٣) ينظر سيرة ابن هشام (٥/ ٢٦) من طريق ابن إسحاق.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute