وقوله:(فجلسنا في أقرب السفينة)(١) قالوا: هو جمع قارب على غير قياس، وهي صغارها المنصرفة بالناس وأسبابهم للسفن الكبار. وفي مصنف ابن أبي شيبة: في قوارب السفينة مبينًا، وحكى لنا شيخنا أبو بحر، عن شيخه القاضي الكناني: أن معنى أقرب السفينة: أدانيها، كأنه يعني ما قرب إلى الأرض منها، وفي الرواية الأخرى في مسلم:(فجلسنا في أخريات السفينة) وهو مما يحتج به. وفي الرواية الأخرى: فخرج بعضهم على لوح من ألواح السفينة، فقد يجمع بين هذه الروايات، ويكون مراده بالأقرب هذه الألواح، التي خرجوا عليها، جمع: قرب وهي الخاصرة، فتكون هذه الألواح من جوانب السفينة، وأواخرها التي هي كالخواصر لها.
وقوله:(إذا تَقَرَّبَ عَبْدِي مِنّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا)(٢) تقرب العبد إلى ربه: بالطاعة له والعمل الصالح، وتقرب الله إلى عبيده: بهدايته إياهم، وشرحه صدورهم، وتنبيهه على ما تقرب به إليه، وكأنّ المعنى: إذا قصد ذلك وعمله، أعنته عليه وسهلته له، وآتيته مما طلب ما لم يحتسب، ويكون أيضًا: إذا تقرب إليَّ بالطاعة في الدنيا، جازيته في الآخرة بأضعافها. وسمي الثواب: تقربًا بمقابلة الكلام وتجنيسه، والشيء يسمى بما كان من سببه وأجله.
وقوله:(لأَقربن بكم صلاة رسول الله ﷺ (٣) قيل: آتيكم بما يشبهها، ويقرب منها، وكقوله في الرواية الأخرى:(إني لأقربكم شبهًا بصلاة رسول الله ﷺ وزعم بعضهم أن صوابه لأقترين بمعنى أتتبعن، وهذا فيه من التكلف ما تراه.
وقوله: (كانت صلاته متقاربة) أي: في التخفيف غير متباينة بالطول والقصر جدًّا، مثل قوله في الحديث الآخر:(وجدت قيامه وركوعه فاعتداله فسجدته - إلى قوله - قريبًا من السواء)(٤).
(١) مسلم (٢٩٤٢). (٢) مسلم (٢٦٧٥). (٣) مسلم (٦٧٦). (٤) مسلم (٤٧١).