ولعل النزعة الخارجية التي تطل برأسها من وقت إلى آخر لتبعث الحياة في فكر الخوارج الأولين وسلوكهم هي المسئولة عن كثير من التعديات على الحرمات، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - في شأن الخوارج:" يقتلون أهل الإِسلام، ويَدَعون أهل الأوثان "(١) وهذه العلامة هي التي جعلت أحد العلماء، وقد وقع مرة في يد بعض الخوارج، فسألوه عن هويته، فقال:" مشرك مستجير، يريد أن يسمع كلام الله "، وهنا قالوا له:" حق علينا أن نجيرك، ونبلغك مأمنك "، وتلوا قول الله تعالىِ:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}[التوبة: ٦]، بهذه الكلمات نجا " مشرك مستجير "، ولو قال لهم:" مسلم " لقطعوا رأسه (٢).
وفي عصرٍ آخرَ اتّهِمَ القاضي عياضٌ بأنه " يهودي "؛ لأنه كان يلزم بيته للتأليف نهار السبت، وهذا الشيخ علاء الدين العطار تلميذ الإمام النووي رحمهما الله -مع أنه كان شيخ زمانه- كان يمشي متأبطًا وثيقة من أحد القضاة بصحة إيمانه وبراءته من كل ما يكفره مخافة أن يصادفه أفاك في مجلس.
وفي القصة التالية معتبر ومزدجر وتذكرة بأن " من الغيبة ما قتل ":
عن رشيد الخباز قال: (خرجت مع مولاي إلى مكة، فجاورنا، فلما كان ذات يوم، جاء إنسان فقال لسفيان:" يا أبا عبد الله! قَدِم اليوم حسنٌ وعليٌ ابنا صالح "، قال:" وأين هما؟ "، قال:" في الطواف " قال: " إذا مَرَّا، فأرنيهما "، فمرَّ أحدهما، فقلت:" هذا عليٌ "، ومر الآخر، فقلت:" هذا حسن "، فقال:" أما الأول فصاحِب آخِرة، وأما الآخَر فصاحب سيف، لا يملأ جوفه شيء "، قال:
(١) رواه الإمام أحمد (٣/ ٦٨) والبخاري رقم (٧٤٣٢) (١٣/ ٤١٥)، ومسلم، وأبو داود، والنسائي. (٢) وانظر صورًا مماثلة من تهور الخوارج وانتهاكهم حرمات المسلمين مع تورعهم مع الكافرين في " تلبيس إبليس " لابن الجوزي ص (١٢٨ - ١٢٩).