ما أكثر المواقف التربوية التي مارس فيها العلماء بصفتهم مربين ومرشدين حق النصح والتأديب والزجر مع بعض المتعلمين الذين قصَّروا في الأدب إرشادًا لهم وتقويمًا وتهذيبًا وهاك طرفًا من هذه الوقائع:
فعن أبي بكر الأثرم قال: سمعت أبا عبد اللِّه -يعني أحمد بن حنبل- فسئل عن إسحاق بن إسماعيل الذي كان يحدث في مدينة أبي جعفر , فقال:" ما أعلم إلا خيرا، إلا أنه " -ثم حمل عليه بكلمة ذكرها- وقال:" بلغني أنه يذكر عبد الرحمن ابن مهدي وفلانا، وما أعجب هذا! " ثم قال وهو مغتاظ: " مالك أنت ويلك!! -ونحو هذا- ولذكر الأئمة ") (١).
وعن حمدان بن الأصبهاني، قال: كنت عند شريك، فأتاه بعض ولد المهدي، فاستند، فسأله عن حديث فلم يلتفت إليه، وأقبل علينا، ثم أعاد، فعاد بمثل ذلك، فقال:" كأنك تستخف بأولاد الخليفة؟ "، قال:" لا، ولكن العلم أزينُ عند أهله من أن تصْيِّعوه "، قال: فجثا على ركبتيه، ثم سأله، فقال شريك:" هكذا يطلب العلم "(٢).
وعن سعيد بن بشير: كان مالك إذا سئل عن مسألة يظن أن صاحبها غير متعلم وأنه يريد المغالطة، زجره بهذه الآية: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (٩)} [الأنعام: ٩].
وقال عبد الرزاق: (بينا نحن في المسجد الحرام؛ فقيل لنا:" هذا مالك "، فلقيناه داخلاً من باب بني هاشم وعليه رداء وقميص صنعاني، فطاف بالبيت،
(١) " تاريخ بغداد " (٦/ ٣٣٥). (٢) " سير أعلام النبلاء " (٨/ ٢٠٧).