(٥٠٥) قال الشافعي: وأرَخِّصُ في البكاءِ بلا نَدْبٍ ولا نِياحَةٍ؛ لما في النَّوْح (١) مِنْ تجديد الحزن، ومَنْع الصبر، وعظيم الإثم.
(٥٠٦) ورَوَى حديثَ عمرَ أنّه قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنّ الميِّتَ ليُعَذَّبُ ببُكاءِ أهلِه عليه»، وذَكَر ذلك ابنُ عبّاس لعائشةَ، فقالت: «رَحِمَ اللهُ عمرَ، والله (٢) ما حَدَّثَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: إنّ اللهَ ليُعَذِّب الميِّتَ ببكاءِ أهلِه عليه، ولكنْ قال:«إنّ اللهَ يَزِيدُ الكافرَ عذابًا ببكاء أهله عليه»، قال: وقالت عائشة: «حسْبُكُم القرآنُ، {ولا تزر وازرة وزر أخرى}[الأنعام: ١٦٤]»، وقال ابن عباس عند ذلك:«اللهُ أضْحَكَ وأبْكَى»، قال الشافعي: ما روت عائشةُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشْبَهُ بدلالة الكتاب ثم السنة، قال الله تبارك وتعالى:{ولا تزر وازرة وزر أخرى}، وقال:{لتُجزى كل نفس بما تسعى}[طه: ١٥]، وقال -عليه السلام- لرجلٍ في ابْنِه:«أما إنّه لا يَجْنِي عليك، ولا تَجْنِي عليه»، وما زِيدَ في عذاب الكافر فباسْتِيجابه له، لا بذنب غيره.
قال المزني: بَلَغَنِي أنّهم كانوا يُوصُون بالبكاءِ عليهم أو بالنياحة أو بهما، وهي معصيةٌ، ومَن أمَرَ بها فعُمِلَتْ بعده كانت له ذنبًا، فيَجُوز أن يُزَادَ بذنبِه عذابًا - كما قال الشافعي - لا بذنب غيره.
(١) كذا في ز ب س، وفي ظ: «النياحة». (٢) «والله» من ز ب.