وما أُتْلِفَ من خمرهم وخنازيرهم وما عُفِيَ عنه وما يُرَدُّ (١)
(٣٤١٨) قال الشافعي: لم أعْلَمْ مُخالِفًا مِنْ أهْلِ العِلْمِ بالسِّيَرِ أنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لمّا نَزَلَ المدينةَ وادَعَ يَهُودًا كافَّةً على غَيْرِ جِزْيَةٍ (٢)، وأنّ قول الله عز وجل:{فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم}[المائدة: ٤٢] إنّما نَزَلَتْ فيهم، ولم يُقَرُّوا أن يَجْرِيَ عليهم الحكْمُ، وقال بعضهم: نَزَلَتْ في اليَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْن زَنَيَا، وهذا أشْبَه؛ لقول الله تبارك اسمه:{وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك}[المائدة: ٤٣]، قال الشافعي: ولَيْسَ للإمامِ الخِيارُ في أحَدٍ مِنْ المعاهِدِين الذين يَجْرِي عليهم الحكْمُ إذا جاؤوه في حَدٍّ لله عز وجل، وعليه أن يُقِيمَه؛ لِما وَصَفْتُ مِنْ قَوْلِ الله عز وجل:{وهم صاغرون}[التوبة: ٢٩].
(١) «الهُدْنة والهُدُونُ»: السكون، وإذا سكنت الفتنه بين فريقين كانا يقتتلان على شرط تراضيا به، ومدةٍ جعلا لها غاية على ألا يُهَيِّدَ واحدٌ منهما صاحبه، فذلك «المهادنة»، كذا قال أبو منصور في «الزاهر» (ص: ٥١٩)، وعن ثعلب قال: «(تهادن الأمر): إذا استقام»، قال ابن فارس في «الحلية» (ص: ٢٠٠): «فيحتمل أن تكون الهدنة من ذلك». (٢) «وادع يهود»؛ أي: هادنهم على ألا يؤذوه ولا يؤذيهم، ويتركهم ودينهم ويتركوه، وأصل «الموادعة» من قولك: «وَدَعَ، يَدَعُ»: إذا سكن، و «وادعته» فاعلته من السكون، مثل: هادنته، و «رجل وادِعٌ» ساكن رافه، و «الدِّعَة»: الرفاهية، و «فرس وَدِيع، ومُوَدَّع»: إذا أعْفِيَ ظهره عن الركوب، ومثل «الموادعة»: المهاودة. «الزاهر» (ص: ٥١٩).