الشافعي: وما عَلِمْتُ النّاسَ اخْتَلَفُوا في أنّ ما حَوَوْا في البَغْيِ مِنْ مالٍ (١) فوُجِدَ بعَيْنِه أنّ صاحِبَه أحَقُّ به.
(٣١٧١) قال: وأهْلُ الرِّدَّةِ بعد رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- ضَرْبان: فمنهم قَوْمٌ كَفَرُوا بعد إسْلامِهِم، مِثْلُ: طُلَيْحَةَ ومُسَيْلِمَةَ والعَنْسِيِّ وأصْحابِهم، ومنهم قَوْمٌ تَمَسَّكُوا بالإسْلامِ ومَنَعُوا الصَّدَقاتِ، وهو لِسانٌ عَرَبِيٌّ، والرِّدَّةُ ارْتِدادٌ عمّا كانُوا عليه [بالكُفْرِ، وارْتِدادٌ بمَنْعِ حَقٍّ كانُوا عليه (٢).
وقَوْلُ عُمَرَ لأبي بَكْرٍ: ألَيْسَ قد قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «أمِرْتُ أنْ أقاتِلَ النّاسَ حتّى يَقُولُوا: لا إلهَ إلّا الله، فإذا قالُوها فقد عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهُم وأمْوالَهم إلّا بحَقِّها، وحِسابُهُم على الله»(٣)، وقَوْلُ أبي بَكْرٍ:«هذا مِنْ حَقِّها، لو مَنَعُونِي عَناقًا ممّا أعْطَوْا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتَلْتُهُم عليها» .. مَعْرِفَةٌ منهما معًا أنّ ممَّنْ قاتَلُوا مَنْ تَمَسَّكَ بالإسلامِ، ولولا ذلك ما شَكَّ عُمَرُ في قِتالهم، ولقال أبو بَكْرٍ: قد تَرَكُوا «لا إلهَ إلّا الله» فصارُوا مُشْرِكِين، وذلك بَيِّنٌ في مُخاطَبَتِهم جُيُوشَ أبي بَكْرٍ، وأشْعارِ مَنْ قال الشِّعْرَ منهم، قال شاعِرُهم (٤):
ألا أصْبِحِينا قبل نائِرَةِ الفَجْرِ … لَعَلَّ مَنايانا قَرِيبٌ وما نَدْرِي (٥)
(١) «ما حووا»؛ أي: جمعوا وقبضوا عليه بعينه. «الزاهر» (ص: ٤٩٢). (٢) ما بين المعقوفتين من ز ب س، وسقط من ظ. (٣) «عصموا منى دماءهم وأموالهم»؛ أي: أمسكوها ومنعوها، و «اعتصمت بحبل الله»؛ أي: تمسكت به. «الزاهر» (ص: ٤٩٢). (٤) هذه الأبيات مشتركة بين جملة من شعراء حروب الردة بألفاظ متقاربة، ومنهم الحطيئة العبسي، وانظر قافية الراء من «ديوان حروب الردة» (ص: ١٧٩). (٥) «أصبحينا»؛ أي: اسقينا الصبوح من خمر أو لبن، يقال: «صَبَحْته أصْبَحُه» إذا سقيته، و «نائرة الفجر»: ضوءه وانفلاقه، وهو التنوير أيضا، يقال: «نارَ وأنار واستنار» بمعنى واحد. «الزاهر» (ص: ٤٩٣).