مَنْ قال: يُعْطَوْن، وأحْسَبُ مِنْ حُجَّتِهم إن لم يَفْعَلْ ومؤنَتُهم تَلْزَمُ رِجالَهم فلم يُعْطِهِم الكفايةَ، فيُعْطِيهم كَمالَ الكفايةِ، ومنهم مَنْ قال: إذا أعْطُوا ولم يُقاتِلُوا فلَيْسُوا بذلك أوْلى مِنْ ذُرِّيَّةِ الأعرابِ ونِسائِهم ورِجالِهم الذين لا يُعْطَوْن مِنْ الفَيْءِ (١).
(١٩٣٣) قال الشافعي: حدثني سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، أنّ عمر بن الخطاب، قال:«ما أحَدٌ إلّا وله في هذا المالِ حَقٌّ، إلّا ما مَلَكَتْ أيمانُكم، أعْطِيَه أو مُنِعَه».
(١٩٣٤) قال الشافعي: وهذا الحديثُ يَحْتَمِلُ مَعانيَ، منها أن نقولَ: ليس أحَدٌ بمَعْنَى حاجةٍ مِنْ الصدقةِ، أو بمَعْنَى أنّه مِنْ أهلِ الفَيْءِ الذين يَغْزُون، إلّا وله في مالِ الفَيْءِ أو الصدقةِ حَقٌّ، وكان هذا أوْلى مَعانيه، فإن قيل: ما دَلَّ على هذا؟ .. قيل: قولُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- في الصدقةِ:«لا حَظَّ فيها لِغَنِيٍّ ولا لِذِي مِرَّةٍ مُكْتَسِبٍ»، والذي أحْفَظُ عن أهلِ العِلْمِ أنَّ الأعرابَ لا يُعْطَوْنَ مِنْ الفَيْءِ، وقد رُوِّينا عن ابنِ عبّاسٍ، أنّه قال:«إنّ أهلَ الفَيْءِ كانُوا في زمانِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- بمَعْزِلٍ عن الصدقةِ، وأهلُ الصدقةِ بمَعْزِلٍ عن الفَيْءِ».
(١٩٣٥) قال الشافعي: والعَطاءُ الواجبُ في الفَيْءِ لا يَكُونُ إلّا لِبالِغٍ يُطِيقُ مِثْلُه القِتالَ، قال ابنُ عُمَرَ:«عُرِضْتُ على رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- عامَ أحُدٍ وأنا ابنُ أربعَ عشْرةَ سَنَةً فرَدَّنِي، وعُرِضْتُ عليه يومَ الخنْدَقِ وأنا ابنُ خمسَ عشْرةَ فأجازَني»، وقال عمر بن عبدالعزيز: «هذا فَرْقٌ بين (٢) المقاتِلَةِ والذُّرِّيَّةِ».
(١) الأظهر الأول، والمسألة في نساء وذرية من مات من المرتزقة. انظر: «العزيز» (١٢/ ٥١٤) و «الروضة» (٦/ ٣٦٣). (٢) في ز: «ما بين».