لعمل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسَّرون لعمل الشقاوة. ثم قرأ» {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى - وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى - فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى - وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى - وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى - فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}[الليل: ٥ - ١٠](١) قال ابن رجب رحمه الله: " ففي هذا الحديث أن السعادة والشقاوة قد سبق الكتاب بهما، وأن ذلك مقدر بحسب الأعمال، وأن كلّا ميسر لما خلِقَ له من الأعمال التي هي سبب السعادة أو الشقاوة "(٢).
ولا شك أن الله عز وجل إنما يهدي من كان أهلا للهداية، ويضل من كان أهلا للضلالة، قال عز وجل:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف: ٥](٣) وقال سبحانه وتعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ}[المائدة: ١٣](٤).
فبين سبحانه أن أسباب الضلالة لمن ضل إنما هي بسَبَبٍ من العبد نفسه، والله عز وجل لا يظلم الناس شيئا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، قال سبحانه وتعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء: ٤٠](٥) وقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[يونس: ٤٤](٦) ويجمع الإِيمان بالقضاء والقدر أربع مراتب إذا آمن بها العبد فقد استكمل الإيمان بهذا الأصل العظيم:
المرتبة الأولى: العلم، فيؤمن العبد إيمانا جازما أن الله عز وجل علم بما الخلق عاملون، بعلمه الأزلي، وعلم جميع أحوالهم وأعمالهم: من الطاعات والمعاصي، والأرزاق والآجال. قال سبحانه وتعالى:{إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[العنكبوت: ٦٢](٧)
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب موعظة المحدث عند القبر، وقعود أصحابه حوله، ٢/ ١٢١ برقم ١٣٦٢، ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه، وكتابة رزقه وعمله وشقاوته وسعادته، ٤/ ٢٠٣٩ برقم ٢٦٤٧. والآيات من سورة الليل: ٥ - ١٠. (٢) جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، ١/ ١٦٩. (٣) سورة الصف، الآية: ٥. (٤) سورة المائدة، الآية: ١٣. (٥) سورة النساء، الآية: ٤٠. (٦) سورة يونس، الآية: ٤٤. (٧) سورة العنكبوت، الآية: ٦٢.