تحته حديث أنس بن مالك الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال: «يا معاذ بن جبل "، قال: لبيك يا رسول الله وسَعْدَيْك. قال: " يا معاذ " قال: لبيك يا رسول الله وسعديك " ثلاثا " قال: " ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار " قال: يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: " إذا يتكلوا» وأخبر بها معاذ عند موته تأثما (١).
وهذا يبين للداعية أهمية مراعاة أحوال المدعوين في دعوته إلى الله عز وجل (٢).
ثامنا: من أساليب الدعوة: التأكيد بالتكرار: وقد ظهر هذا الأسلوب في هذا الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم: " يا معاذ " وكرر نداء معاذ " ثلاث مرات " وهذا التكرار، لتأكيد الاهتمام بما يخبره به؛ وليكمل تنبيه معاذ فيما يسمعه (٣) قال الإِمام القرطبي رحمه الله: " وإنما كرر النبي صلى الله عليه وسلم نداء معاذ ثلاثا؛ ليستحضر ذهنه وفهمه؛ وليشعره بعظم ما يلقيه عليه "(٤) وهذا يحث الداعية ويبين له أهمية استخدام هذا الأسلوب في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى (٥).
تاسعا: من سنة إلقاء العلم: الوقار والتثبت: إن الداعية الناجح هو الذي يلتزم التثبت والوقار في تعليمه للناس الخير وإلقاء العلم إليهم، ويؤخذ هذا من إبطائه صلى الله عليه وسلم في الجواب؛ ولهذا قال: «يا معاذ " فقال معاذ رضي الله عنه: قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك. ثم سار ساعة فقال: " يا معاذ " فقال رضي الله عنه: لبيك رسول الله وسعديك. ثم سار ساعة ثم قال: " يا معاذ بن جبل " فقال معاذ: " لبيك رسول الله وسعديك» قال الإِمام عبد الله بن أبي جمرة رحمه الله: " ويؤخذ من إبطائه صلى الله عليه وسلم بين الندائين أن من سنة إلقاء العلوم
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا، ١/ ٤٦، برقم ١٢٧، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، ١/ ٥٧ برقم ٢٩. (٢) انظر: الحديث رقم ١٩، الدرس الثالث. (٣) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، ١/ ٣٤٥، وشرح الكرماني على صحيح البخاري: ٢٣/ ٢١ وفتح الباري لابن حجر، ١١/ ٣٩٩. (٤) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، ١/ ٢٠٣، وانظر: بهجة النفوس لعبد الله بن أبي جمرة ٤/ ١٤٣. (٥) انظر: الحديث رقم ٤، الدرس الخامس، ورقم ٤٦، الدرس الخامس عشر.