موضع قدم، أو موضع سوطٍ، أو خمار امرأة من أهل الجنة على رأسها، خير من الدنيا وما فيها، وهذا وصف لا يدور بالخيال؛ وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " يقول الله تعالى: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»(١)؛ ولأهمية الترغيب قال الله عز وجل:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}[السجدة: ١٧](٢). وهذا يوضح للداعية عظم أمر الترغيب وعلوَّ شأنه، وأن له التأثير العظيم في النفوس، فينبغي أن يستخدم هذا الأسلوب في دعوة الناس وتوجيههم إلى الخير (٣).
ثانيا: من أساليب الدعوة: التشبيه. دلت هذه الأحاديث على أن أسلوب التشبيه من أساليب الدعوة إلى الله تعالى؛ قال الإمام ابن دقيق العيد - رحمه الله: (وفي قوله - صلى الله عليه وسلم:«خير من الدنيا وما فيها» وجهان:
أحدهما: أن يكون من باب تنزيل المغيب منزلة المحسوس، تحقيقا له وتثبيتا في النفوس؛ فإن ملك الدنيا، ونعيمها، ولذاتها محسوسة مستعظمة في طباع النفوس، فحقَق عندها أن ثواب اليوم الواحد في الرباط - وهو من المغيبات - خير من المحسوسات التي عهدتموها من لذات الدنيا.
الثاني: أنه قد استبعد بعضهم أن يوازن شيء من نعيم الآخرة بالدنيا كلها، فحمل الحديث، أو ما هو معناه: على أن هذا الذي رتِّب عليه الثواب خير من الدنيا كلها، لو أنفقت في طاعة الله - تعالى - ثم قال رحمه الله: " والأول عندي أوجه وأظهر) (٤).
(١) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، ٤/ ١٠٣، برقم ٣٢٤٤ وصحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ٤/ ٢١٧٤، برقم ٢٨٢٤. (٢) سورة السجدة، الآية: (١٧). (٣) انظر: فتح الباري لابن حجر ٦/ ١٤، وشرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد بن حنبل، للعلامة محمد السفاريني ٢/ ٣٤٦، ومنار القاري في شرح مختصر صحيح البخاري، لحمزة بن محمد بن قاسم ٤/ ٨٧، وانظر: الحديث رقم ٧، الدرس الرابع عشر، ورقم ٢١، الدرس السابع. (٤) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، ٢/ ٣٠١ - ٣٠٢، وانظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي ٣/ ٧٠٩ - ٧١٠، وشرح النووي على صحيح مسلم ١٣/ ٣١، وشرح الكرماني على صحيح البخاري ١٢/ ١٠٠.