تعالى" (١) ومعلوم أن الإِلحاح في الدعاء: هو الإِقبال على الدعاء ولزومه والمواظبة عليه والإِقبال عليه، وتكريره (٢) كما ذكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه: يا ربِّ يا ربِّ " (٣).
وهذا يؤكد أهمية الإِلحاح في الدعاء؛ ولهذا قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي " (٤) فينبغي للداعية أن يلح في الدعاء، ويكرره، ولا يستهين به، وقد أحسن الإِمام الشافعي رحمه الله حيث قال:
أتهزأُ بالدعاء وتزدريه ... وما تدري بما صنع الدعاءُ
سهام الليل لا تخطي ولكن ... لها أَمَدٌ وللأَمدِ انقضاءُ (٥)
ثالثا: من صفات الداعية: العفو: ظهر في هذا الحديث كمال عفو النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه لم يعاقب لبيد بن الأعصم، ولم يتعرض له حتى بالكلام، ولم يسأله لِمَ سحره؟ وقد ذكر الإِمام الكرماني رحمه الله في فوائد هذا الحديث أن فيه: "كمال عفو رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" (٦) وهذا يوضح للداعية أهمية الاقتداء برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العفو والصفح، وعدم الانتقام للنفس، وبالله الثقة وعليه التكلان (٧).
رابعا: من القواعد الدعوية: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح: لا شك أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؛ ولهذا لم يقتل النبي لبيد بن الأعصم، ولم يُخرج السحر للناس فينشره ويشيعه ويخبر به من
(١) شرح النووي على صحيح مسلم، ١٤/ ٤٢٧، وانظر: فتح الباري لابن حجر، ١٠/ ٢٢٨. (٢) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب اللام مع الحاء، ٤/ ٢٣٦. (٣) مسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، في كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، ٢/ ٧٠٢، برقم ١٠١٥. (٤) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: البخاري، كتاب الدعوات، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل، ٧/ ١٩٨، برقم ٦٣٤٠، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم بعجل، ٤/ ٢٠٩٥، برقم ٢٧٣٥. (٥) ديوان الإمام الشافعي، جمعه محمد عفيف الزعبي، ص ١٧. (٦) شرح الكرماني على صحيح البخاري، ٣/ ١٩٧. (٧) انظر: الحديث رقم ٨٠، الدرس الثالث، ورقم ١٠٥، الدرس الرابع.