رحمه الله:"بَلّغ اليهود ودعاهم إلى الإِسلام والاعتصام به، فقالوا: بلغت، ولم يذعنوا لطاعته، فبالغ في تبليغهم وكرره "(١) وهذا يدل على حرصه صلى الله عليه وسلم على هدايتهم، ولكن الله يهدي من يشاء (٢).
تاسعا: من أصناف المدعوين: اليهود: دل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أسلموا تسلموا» على أن اليهود من أمة الدعوة، فينبغي العناية بدعوتهم على حسب الطرق الحكيمة في دعوتهم، والله الهادي إلى سواء السبيل (٣).
عاشرا: من صفات اليهود: المكر والخديعة: ظهر في هذا الحديث مكر اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه قال لهم: "أسلموا تسلموا"، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال:"ذلك أريد"، فكرر فكرروا، حتى قال ذلك ثلاث مرات. وقولهم:"قد بلغت يا أبا القاسم " كلمة مكر وخديعة تحمل العداوة المستترة؛ قال الإِمام القرطبي رحمه الله:"قولهم: قد بلغت يا أبا القاسم: كلمة مكر وخديعة، ومداجاة؛ (٤) ليُدافعوه بما يوهمه ظاهرها، وذلك: أن ظاهرها يقتضي أنه قد بلغ رسالة ربه تعالى؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك أريد"، أي التبليغ، قالوا ذلك وقلوبهم منكرة، مكذبة"(٥) وهذا فيه تحذير من مكر اليهود وغدرهم؛ قال الله عز وجل:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة: ٨٢](٦) * * * *
(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ١٣/ ٣١٥. (٢) انظر: الحديث رقم ٤، الدرس الخامس، ورقم ٧، الدرس الثاني عشر. (٣) انظر: الحديث رقم ٨٩، الدرس العاشر، ورقم ٩٢، الدرس الرابع عشر. (٤) المداجاة: المداراة، يقال: داجيته: أي داريته وكأنك ساترته العداوة، ويقال: داجى الرجل: ساتره بالعداوة وأخفاها عنه، فكأنه أتاه في الظلمة. لسان العرب لابن منظور، باب الواو، فصل الدال، ١٤/ ٢٥٠. (٥) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، ٣/ ٥٨٨، وانظر: فتح الباري لابن حجر، ٦/ ٢٧١. (٦) سورة المائدة، الآية: ٨٢.