يقول تعالى: واذكُرْ يا محمَّدُ حين قال إبراهيمُ داعيًا ربَّه: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} المعنى: أَرِنِي آيةً مُشاهَدةً أعلمُ بها كيف تُحْيِي الْمَوْتَى؛ قال اللهُ لإبراهيمَ -ردًّا على طلبِه أن يُريَهُ كيف يُحْيي الموتى-: {أَوَلَمْ تُؤْمِن} أَوَ ليسَ قد آمنتَ بأنِّي أُحيي الموتى وأَنّي على إحيائِهِم قادرٌ؛ قالَ إبراهيمُ مجيبًا لربِّهِ: بلى قد آمنتُ، ولكن طلبتُ ما طلبتُ؛ لأزدادَ إيمانًا فَيَطْمَئِنَّ قلبي، فأجابَهُ اللهُ إلى طلبِهِ؛ فقال له:{فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ}؛ أي: أربعةً مِنْ أنواعِ الطير، أو مِنْ بعض أنواعِ الطير، {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} أي: أَمِلْهُنَّ إليك وضُمَّهُنَّ إليك (١)، {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا} وهذا يقتضي أنه يَذبَحُهُنَّ ويُقَطِّعُهُنَّ ثم يجعل عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مما حولَهُ مِنْ الأجبال (٢) جزءًا منهن، وقوله تعالى:{ثُمَّ ادْعُهُنَّ} يعني: ادعُ الطيرَ الأربعةَ التي على الجبال بالتصويتِ لَهُنَّ بالطريقة المعتادةِ في دعاءِ الطير. وقولُه:{يَأْتِينَكَ سَعْيًا} المعنى: إذا دعوتهُنَّ أتينكَ سعيًا؛ أي: مسرعاتٍ طيارًا أو مَشيًا على أرجلُهِنَّ.
وقولُه: {وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم (٢٦٠)}: يحتملُ أن يكون خطابًا لإبراهيمَ، أو خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم (٣)، و {عَزِيزٌ}: أي: قويٌّ غالبٌ لا يُعجزُهُ
(١) ينظر: «المفردات» للراغب (ص ٤٩٨). (٢) جمع جبل، فهو يجمع على أجْبُل وجبال وأجبال، وشاهد الأخير قول الشاعر -وهو ابن الأعرابي-: يَا رُبَّ ماءٍ لَكَ بالأَجْبَالِ أجْبَالِ سَلْمَى الشُّمَّخِ الطِّوَالِ ينظر: «لسان العرب» (١١/ ٩٦)، و «تاج العروس» (٢٨/ ١٧٤). (٣) ينظر: «تفسير الطبري» (٤/ ٦٤٩ - ٦٥٠).