هذا وعيدٌ من الله للذي يكتمون ما أَنزل اللهُ من الكتاب، ويستبدلون بالكتاب ثمنًا قليلًا؛ أي: يأخذون عِوضًا عن بيان الكتاب الذي أَنزله الله والعمل به من مالٍ أو رئاسةٍ أو جاهٍ، وكلُّ ذلك من مَتاع الدنيا، وهو قليلٌ؛ لأنه زائلٌ ولو كان كثيرًا.
وقوله تعالى:{أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ}: هذه الجملةُ وما عُطف عليها خبرُ {إِنَّ}؛ فتضمَّنَ هذا الوعيدُ أربعةَ أمور:
الأول: أنَّ ما يأكلونه بسبب المال والرئاسة والجاه هو نارٌ في بطونهم؛ لأنَّه سيكون نارًا يصلونها يوم القيامة.
الثاني: أنَّ الله لا يُكلِّمهم يومَ القيامة كلامًا يسرُّهم، لكنه يُكلِّمهم كلامَ توبيخ، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُون (٦٢)} [القصص: ٦٢، ٧٤]، وقوله لأهل النار: {قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُون (١٠٨)} [المؤمنون: ١٠٨](١).
الثالث: أنَّه تعالى لا يُزكِّيهم؛ أي: لا يُثني عليهم، بل يذمُّهم ويُخزيهم.
الرابع: أنَّ لهم عذابًا أليمًا، وهو عذابُ النار -نعوذ بالله منها-.
(١) واختاره الطبري وغيره، وعزاه الثعلبي لأهل التفسير دون أهل المعاني، وقال شيخنا في «التعليقات على المسائل العقدية في كتاب التسهيل» (ص ٣٩): «فسَّر نفيَ الكلامِ بأحد وجهَيْن: - بالغضَبِ اللازمِ مِنْ تركِ الكلامِ؛ وهو مِنْ التفسيرِ باللازم. - أو بتركِ كلامٍ مخصوصٍ، وهو ما يُحِبُّونَهُ ويَسُرُّهم. والثاني هو المناسِبُ؛ لظاهِرِ اللفظ، والله أعلم». ينظر: «تفسير الطبري» (٣/ ٦٧)، و «تفسير الثعلبي» (٤/ ٣١٩)، و «التفسير الوسيط» للواحدي (١/ ٢٦٠)، و «البحر المحيط» (٢/ ١٢٢).