قال أبو داود: سمعت أحمد يتكلم في اللفظية وينكر عليهم كلامهم، فقال له هارون: يا أبا عبد اللَّه، هؤلاء جهمية؟ فجعل يقول: هم وهم، ولم يصرح بشيء، ولم ينكر عليه ما قال من قوله: هم جهمية (٢).
قال أبو داود: كتبتُ رقعةً وَأرسلت به إلى أبي عبد اللَّه، وهو يومئذ متوارٍ، فأخرج إليَّ جوابه مكتوبًا فيه: قلتَ: رجل يقول: التلاوة مخلوقة وألفاظنا بالقرآن مخلوقة، والقرآن ليس بمخلوق، ما ترى في مجانبته؟ وهل يسمى مبتدعًا؟ وعلى ما يكون عقد القلب في التلاوة والألفاظ؟ وكيف الجواب فيه؟ قال: هذا يجانب، وهو فوق المبتدع، وما أراه إلا جهميًّا، وهذا كلام الجهمية، القرآن ليس بمخلوق؟ قالت عائشة: تلا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ}[آل عمران: ٧] الآية، فقالت: فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا رَأَيْتُمْ الذِينَ يتبعون ما تشابه منه فاحذروهم؛ فإنهم الذِينَ عَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ"(٣)، والقرآن ليس بمخلوق (٤).
"مسائل أبي داود"(١٧١١ - ١٧١٢).
(١) ذكرها الذهبي في "السير" ١١/ ٢٨٨ وقال: الذي استقر الحال عليه، أن أبا عبد اللَّه كان يقول: من قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، فهو مبتدع. وأنه قال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي. فكان رحمه اللَّه لا يقول هذا ولا هذا. وربما أوضح ذلك، فقال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، يريد به القرآن فهو جهمي. (٢) رواه الخلال في "السنة" ٢/ ٣٢٥ (٢١١٨)، وابن بطة في "الإبانة" كتاب الرد على الجهمية ١/ ٣٣١ (١٣١). (٣) رواه الإمام أحمد ٦/ ٤٨، والبخاري (٤٥٤٧)، ومسلم (٢٦٦٥). (٤) رواه ابن بطة في "الإبانة" كتاب الرد على الجهمية ١/ ٣٣٠ (١٣٠).