ولما كان أحد البواعث على الغيبة شفاء الغيظ بمقابلة العدوان بمثله رغبت الشريعة السمحة في كظم الغيظ، وترك مقابلة العدوان بمثله، فقال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)} [آل عمران: ١٣٤].
وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهُ، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخَيِّره من الحور ما شاء "(١).
وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:" من اتقى الله لم يشف غيظه، ومن خاف الله لم يفعل ما يشاء، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون "(٢).
وكان أحدهم يقع في عمر بن ذر ويشتمه، فلقيه عمر، فقال:" يا هذا لا تُفرط في شتمنا، وأبق للصلح موضعًا، فإنا لا نكافيء من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه "(٣).
وقيل: إن رجلاً خاصم الأحنف بن قيس، وقال:" لئن قلتَ واحدة، لتسمعن عشرًا "، فقال:" لكنك إن قلت عشرًا لم تسمع واحدة "(٤).
وعن بكار بن محمد السيريني قال: " كان عبد الله بن عون مشغولاً بنفسه
(١) رواه الترمذي رقم (٢٠٢٢)، وأبو داود رقم (٤٧٧٧)، وغيرهما، وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " رقم (٦٣٩٨). (٢) " الإحياء " (٣/ ١٨٧). (٣) " سير أعلام النبلاء " (٦/ ٣٨٩). (٤) " السابق " (٤/ ٩٣).