قال ابن عجيبة:"قد جعل الله بحكمته الباهرة في العبد كسبًا فيما يظهر له، يقصد به الخير والشر، وفي الحقيقة: هو مجرور بسلسلة، لكن الشريعة تنسب الفعل إليه، بسبب ذلك الكسب، فتقوم الحُجَّة عليه"(١).
ويقول في تفسيره لقول الله تعالى:{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}(٢): "كما استخرج الحق -جلَّ جلالُه- من بين فرثٍ ودمٍ لبنًا خالصًا سائغًا للشَّاربين استخرج مذهب أهل السُّنَّة القائلين بالكسب من بين مذهب الجبرية ومذهب المعتزلة، بين قومٍ أفرطوا وقومٍ فرَّطوا"(٣).
وقال في موضعٍ آخر:"قد تقرَّر عند أهل الحقِّ أنَّ العبدَ مجبورٌ في قالب مختار، فليس له فعل، ولا اختيار، وإنما الفعل هو الواحد القهَّار"(٤).
ويقول أيضًا:"فالتحقيق أنَّ العبد مجبور، لكن في قالب الاختيار، فمن نظر للجبر الباطني سمَّاه حقيقة، ومن نظر لقالب الاختيار سمَّاه شريعة"(٥).
أولًا: مفهوم الكسب عند الأشاعرة، ومقصود ابن عجيبة من قوله:(لا فاعل إلا الله)
عرَّف الأشاعرة الكسب بتعريفاتٍ متنوِّعة, منها:
(١) سلك الدرر في القضاء والقدر، ص ٥٤. (٢) سورة النحل: ٦٦. (٣) البحر المديد ٣/ ١٤١. (٤) إيقاظ الهمم، ص ٢٣٧. (٥) الفتوحات الإلهية، ص ٣٣٧.