فيه، فإن اضطر إلى مخالطة فليكن معهم ببدنه وليفارقهم بقلبه ولسانه، فإن لم يستطع فبقلبه ولا يفارق السكوت. أنشدني محمد بن عبد الملك الصوفي قال:
أنشدني أبو الفضل الجوهري: الخير أجمع في الكسوت البيتان.
قال القاضي: ولي في هذا المعنى شعر:
حاز السلامة مسلم … يأوي إلى سكن وقوت
ماذا يؤمّل بعد ما … يأوي إلى بيت وقيت
قال المؤلف ﵀: ولأبي سليمان الخطابي في هذا المعنى شعر:
أنست بوحدتي ولزمت بيتي … فدام الأنس لي ونما السرور
وأدبني الزمان فلا أبالي … هجرت فلا إزار ولا أزور
ولست بسائل ما دمت حيا … أسار الخيل أم ركب الأمير (١)
والشعر في هذا المعنى كثير، وسيأتي للعزلة زيادات بيان من السنة، إن شاء الله تعالى.
وكثرة الخبث: ظهور الزنا وأولاد الزنا.
وذكر ابن وهب، عن يحيى مولى الزبير أنه ذكر؛ أن في زمان رسول الله ﷺ خسف قبل المشرق فقال بعض الناس: يا رسول الله؛ يخسف الأرض وفيها المسلمون؟! فقال: «إذا كان أكثر أهلها الخبث» (٢).
قال علماؤنا رحمة الله عليهم: فيكون إهلاك جميع الناس عند ظهور المنكر والإعلان بالمعاصي، فيكون طهرة للمؤمنين ونقمة للفاسقين، لقوله ﵊: «ثم بعثوا على نياتهم» وفي رواية «أعمالهم». وقد تقدم هذا في المعنى، فمن كانت نيته صالحة أثيب عليها ومن كانت نيته سيئة جوزي عليها، وفي التنزيل: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ﴾ [الطارق: ٩] فاعلمه.
***
[٢٢٧ - باب ما جاء في رحى الإسلام، ومتى تدور]
(أبو داود) عن البراء بن ناجية، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي ﷺ قال:
(١) الأبيات في «العزلة» للخطابي ص ٢٣١ - نشر دار ابن كثير.
(٢) لم أعثر عليه فيما بين يدي من مصادر.