أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال:«أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح في الجنة حيث نشاء؟ ففعل بهم ذلك ثلاث مرّات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا»(١).
[فصل]
قلت: وهنا اعتراضات خمسة:
الأول: إن قيل: ما قولكم في الحديث الذي ذكرتم: «ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام»؟ قلنا: هو عموم يخصصه ما ذكرنا، فهو محمول على غير الشهداء.
الثاني: فإن قيل: فقد روى مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري، أنه أخبره أن أباه كعب بن مالك كان يحدّث أن رسول الله ﷺ قال:«إن نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه»(٢). قلنا: قال أهل اللغة: تعلق بضم اللام تأكل، يقال: علقت تعلق علوقا.
ويروى يعلق بفتح اللام وهو الأكثر، ومعناه: تسرح. وهذه حالة الشهداء لا غيرهم، بدليل الحديث المتقدم، وقوله تعالى: ﴿بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ ولا يرزق إلا حيّ، فلا يتعجل الأكل والنعيم لأحد إلاّ للشهيد في سبيل الله، بإجماع
(١) أخرجه مسلم (١٨٨٧). (٢) أخرجه مالك في «الموطأ» (١٥٦/ ٤٩/١) - كتاب الجنائز (١٦)، باب جامع الجنائز (١٦). وغيره، وهو في «الصحيحة» تحت رقم (٩٩٥).